لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
90934 مشاهدة
الله سبحانه لا يخلو من علمه مكان

قوله:
( الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن ) .


شرح:
هذا مبدأ الدخول في الصفات، بدأ في صفات الله - تعالى - بهذه الجملة: ( لا يخلو من علمه مكان ) معلوم لكل مؤمن أن ربنا - سبحانه وتعالى - مطلع علينا، وعالم بأحوالنا، ويعلم أسرارنا وعلانياتنا؛ فلأجل  ذلك يذكر دائمًا هذا الأمر مثل قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ( ق:16 ) يعلم الله خطرات النفس ووساوس الصدر، وهواجس القلب، بل يعلم أخفى من ذلك.
فسر بعض العلماء قوله تعالى: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ( طه:7 ) أن السر: ما أضمره العبد في قلبه ولم يحرك به شفتيه، فضلا عن أن يتكلم به عند أحد، وأخفى من السر: هو ما سوف يخطر له فيما بعد، قبل أن يحدث به نفسه ، ولكن الله يعلم أنه سيفعله فيما يُستقبل أو سيخطر بباله .

إذا فالله - تعالى - لا يخلو من علمه مكان، أية مكان صغير أو كبير، يعلم ما يكون فيه، يعلم من يكون في هذا المكان، وعددهم، ونياتهم وأسرارهم، وعلانيتهم، ولا يشغله هذا عن المكان الثاني ولا عن البلاد الثانية، ولا عن أهل السماوات ولا عن أهل الأرض، فإنه كل يوم هو في شأن لا يشغله شأن عن شأن، يعلم كل مكان وما يحدث فيه.
قلت:إن هذا أول ما بدأ في الصفات حيث ذكر عِلم الله تعالى ، وأنه واسع ومحيط بالأشياء، وعليم بها، ويفسر ابن قدامة رحمه الله بهذه الكلمة (الآيات التي فيها المعية) يشير إلى أنها محمولة على العلم كقوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ( الحديد:4 ) .
 فإن ذلك معية العلم والاطلاع، والقرب والهيمنة، والقدرة والنظر والرؤية، وهو معكم أين ما كنتم يراقب ويطلع عليكم، ويعلم أسراركم، ويعلم أعمالكم، وكذلك قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ ( المجادلة:7 ) يعلم ما يسرونه وما يتناجون به.
ولعل ابن قدامة رحمه الله يرد بهذه الجملة على المعتزلة والحلولية والفلاسفة والكثير من الصوفية والجهمية، فهؤلاء عقيدتهم - والعياذ بالله - إنكار صفة العلو، وادعاء أن الله بذاته في كل مكان؛ فلذلك قال: ( لا يخلو من علمه مكان ) ردًّا على من يقول: إنه بذاته في كل مكان ، وهذا قول الحلولية الذين يدعون أنه حال بذاته في المخلوقات كلها، وهذا عين الكفر وعين الجحود؛ فإن الرب - تعالى - بائن من خلقه مع كونه مستويًا على عرشه.