شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
82206 مشاهدة
مسألة: المبتدعة وموقف أهل السنة والجماعة منهم

وقوله:
( ومن السنة: هجران أهل البدع ومباينتهم وترك الجدال والخصومات في الدين وترك النظر في كتب المبتدعة والإصغاء إلى كلامهم ، وكل مُحدَثة في الدين بدعة، وكل مُتَسمٍّ بغير الإسلام والسنة مبتدع كالرافضة، والجهمية، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، والمعتزلة والكرامية، والكلابية ونظائرهم، فهذه فرق الضلال وطوائف البدع، أعاذنا الله منها. )


شرح:
شرع الموفق رحمه الله في هذه الفقرة يتحدث عن البدع، وهي تارة تكون في العقائد وتارة تكون في الأعمال، ولا شك أن البدع التي في العقائد أشد خطرًا من البدع التي في الأعمال، وذلك لأن البدع التي في الأعمال قد يقال: إنها محرمة ولكنها ليست مُكفِّرة؛ لأنها مجال للاجتهاد ، ومع ذلك فإنها منكرة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ .
ونحن مأمورون باجتناب البدع كلها وبالابتعاد عنها ولو كانت حقيرة، فإنها منكر ، وكان السلف رحمهم الله ينكرون على مَن أحدث ما لم يسبق إليه، ولو كان يسيرًا مِن الأمور المعتادة، أنكروا على مروان لما قدم الخطبة على الصلاة في صلاة العيد، فإن صلاة العيد تقدم على خطبتيه بخلاف الجمعة، فعدوا هذه بدعة وأنكروها ولكنها بدعة عملية ليست بدعة اعتقادية.
كذلك أنكر العلماء بدعة إحياء المولد؛ وهي إحياء ليلة الثاني عشر من ربيع الأول وقالوا: إنها بدعة مع أنها بدعة عملية، وإن كان للاعتقاد فيها مجالٌ ولكنها تلحق بالأعمال لا بالعقائد، وسبب ذلك أنها محدثة لم يكن لها أصل في الشرع.
وكذلك إحياء أول ليلة جمعة من رجب بصلاة - تسمى صلاة الرغائب - لا أصل لها مع أنها صلاة، والذين يفعلونها يقولون: أتنكرون علينا الصلاة وطول القيام وقراءة القرآن وقراءة الأحاديث واستماع الأدعية؟! فنقول لهم: لا ننكر ذلك، ولكن ننكر عليكم تخصيص هذه الليلة دون غيرها، فإن هذا لم يرد به الشرع، فتعبدوا في السنة كلها ولا تخصوا ليلة من الليالي بعبادة ليست مشروعة فيها ولا محددة.
وهكذا البدع كثيرة، وقد استوفاها العلماء في مؤلفاتهم كالشاطبي رحمه الله في (الاعتصام)، وكأبي شامة في ( الباعث على إنكار البدع والحوادث ) ، وقبلهما ابن وضاح في نبذة مطبوعة اسمها (البدع والنهي عنها) وغيرهم كثير، والكلام على هذه البدع العملية أهون من الكلام على البدع العقدية.
إذ لا شك أن البدع الاعتقادية أشد نكارة وما ذاك إلا أنها تعتمد القدح في الشرع؛ إما قدحًا في كماله، وإما قدحًا في صلاحيته، وإما اطراحًا لبعض تعاليمه ، فلأجل ذلك يحذر العلماء من هؤلاء المبتدعة، وينكرون عليهم ويحذرون من قراءة كتبهم، ومن مجالستهم، ومن الانخداع بشبهاتهم، ومن قراءة نشراتهم التي ينشرون فيها ضلالاتهم وبدعهم - حتى لا يقع في شيء من شبهاتهم فيصعب بعد ذلك التخلص مما علق بالقلوب.
وكان السلف رحمهم الله يعرضون عن هؤلاء المبتدعة ويقولون: السكوت عنهم إذلال وإهانة لهم ، فإن العالم يحتقر المبتدع ويسكت عنه، ويتركه يهذر ولا يتلفت إليه ولا يستمع له، ولو كان العامة يستجيبون لعلماء أهل السنة إذا حذروهم وقالوا: هذا مبتدع فاحذروه ولا تجالسوه؛ لبقي معزولا لا أحد يجالسه ولا أحد يستمع منه ولا يناظره.
فالعلماء يقولون: نصون علمنا عن أن نجادله أو أن نناظره أو أن نناقشه أو أن نتكلم معه، كما ننصح ونحذّر إخواننا عن أن يجالسوه، حتى يبقى المبتدع معزولاً، وهكذا كان الناس طوال القرون المفضلة؛ كانوا كلما وُجد مبتدع وحاول أن يضل الناس، حذر العلماء منه، وابتعد عنه الناس وتركوه، وتمسكوا بما كان عليه سلف الأمة وجهابذتها.
ولكن مع طول الزمان ومع غربته تمكن هؤلاء المبتدعة، وصار لهم كلمة وأتباع، وقوة ونفوذ، ومقلدون ومذاهب متبعة معترف بها - في زعمهم - لها مكانتها ولها قوتها، فحصل بذلك انخداع لكثير من الجهلة والعوام حتى راجت مؤلفاتهم، فعند ذلك لم ير العلماء بدًّا من مناقشتهم ؛ إما مناقشة علنية حتى ينقطعوا، وإما مناقشة كتابية.
ومثال ذلك مخاصمة محمد بن عبد الرحمن الأذرمي يرحمه الله لذلك المبتدع وهو ابن أبي دؤاد فقد ناقشه وقطع حجته بكلمات مختصرة، وإن كان المؤلف أوجزها، وقد توسع فيها العلماء الذين يروون بالأسانيد كالآجري في الشريعة ونحوه.
كذلك أيضًا؛ لما اشتهر بشر المريسي بقوله: إن القرآن مخلوق - رأى بعض العلماء أن يخاصموه كما في رسالة (الحيدة) لعبد العزيز الكناني الذي أعلن مخاصمته له؛ وذلك لأنه أراد أن يظهر نفسه حتى يجتمع مع ذلك المبتدع، فجمعهما الخليفة، وتخاصما بقوة وبجدل، وكان الظهور للكناني رحمه الله، وانقطع بشر ولم يكن معه جواب كاف لإقناع هذا العالم، ثم كتب الكناني تلك المناظرة التي حدثت بينه وبين بشر في هذه الرسالة التي اسمها (الحيدة) وهي رسالة مطبوعة الآن.