الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
مسألة: في أشراط الساعة
وقوله :
( ومن ذلك : أشراط الساعة رأس> مثل خروج الدجال اسم> ونزول عيسى بن مريم اسم> عليه السلام فيقتله، وخروج يأجوج ومأجوج ، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل. )
شرح:
وهذه أيضًا من الأمور الغيبية، وهي أشراط الساعة، والأشراط هي العلامات، كأنها شرط في وجودها، والشرط في اللغة : ما يترتب عليه وجود المشروط وما لا يتم المشروط إلا به، وقد أخبر الله تعالى أن للساعة أشراطًا: قال تعالى: رسم> فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا قرآن> رسم> (محمد:18) آية> .
ومن أعظم أشراطها بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فهو آخر الأنبياء إذ ليس بعده نبي ؛ فهو نبي الساعة وثبت عنه أنه قال: رسم> بُعثتُ أنا والساعة كهاتين متن_ح> رسم> وأشار بالسبابة والوسطى ، يعني: أنه قريب من قيام الساعة، ومع ذلك فقد أخبر بأن بين يدي الساعة علامات؛ منها علامات صغيرة، ومنها علامات كبيرة.
وقد كتب فيها العلماء قديمًا وحديثًا، وتوسعوا في علامات الساعة وأشراطها التي أخبر الله - تعالى - بها أو أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبينوا أنها ثابتة وحقيقية، ولو أنكرها من أنكرها واستبعدها بعض من قصرت أفهامهم وعلومهم.
وممن كتب في أشراط الساعة : ابن كثير اسم> رحمه الله في آخر كتابه (التاريخ )، لما انتهى من البداية أتى بالنهاية، وذكر أشراط الساعة وتكلم عليها، ومع الأسف نسخت طبعة من الطبعات حققها بعض المغرضين من أهل الشام اسم> ويقال له ( أبو عبية اسم> ) ثم إنه حرفها، وعلق عليها تعليقات يرد بها تلك النصوص ويتأولها تأويلا بعيدًا ويصرفها مصارف بعيدة ؛ وذلك لأن عقله لم يكن متسعًا لتلك الأمور الغيبية، ولما كثرت عليه تلك الأدلة وتنوعت أخذ يتنوع في بعضها، فبعضها يرده بأن يضعفه ولو كان صحيحًا، وبعضها يرده بأن يحمله محملا بعيدًا، وما أشبه ذلك.
فمن أشهر علامات الساعة، أو أشراطها: خروج المسيح الدجال اسم> وقد تكاثرت فيه الأدلة ، والأخبار فيه متواترة حتى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يُستعاذ في الصلاة من فتنة المسيح الدجال اسم> وأخبر بأنواع من فتنته؛ فأخبر بأنه أعور، وأن الله ليس بأعور، وأخبر بأنه يعيث يمينًا وشمالا، وأخبر بمدته التي يمكثها في الأرض، وأخبر بأنه يسير فيها سيرًا حثيثًا، وأخبر بأنه يأتي أهل القرية والمدينة فيطيعونه، فإذا أطاعوه وصدقوه أصبحوا وقد نزلت عليهم البركات، والذين يعصونه تنزل عليهم النقمات - وهذه فتنة من الله، وأنه لا يدخل مكة اسم> ولا يدخل المدينة اسم> إلى آخر ذلك، والأحاديث كثيرة .
ثم إن ( أبا عبية اسم> ) حمل الدجال اسم> وتأوّله على أنه الشر؛ قال: (الدجال هو الشر أو الشرور، أو المعاصي، أو المخالفات)، وكذب؛ إنه شخص إنسان حي متحرك، فجعله معنويًّا، وأخذ يتكلف في رد هذه الأحاديث ويصرفها مصارف بعيدة، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه.
وقد رد على بعض كلماته الشيخ حمود التويجري اسم> - رحمه الله - في كتابه المصنف المعروف بـ(إتحاف الجماعة في أشراط الساعة)، المجلد الأول في العلامات الصغيرة، والمجلد الثاني في العلامات الكبيرة، ناقش أبا عبية اسم> في بعض ما تأوله فاعتذر بأنه ما وقف إلا على أحد المجلدين؛ على مجلد واحد لأن ( أبا عبية اسم> ) طبع النهاية في مجلدين كبيرين وكلاهما علق عليه بما يفسده ، وهذا دليل على أن هناك من قصرت علومهم عن إدراك الأشياء التي لم تتصورها نفوسهم فيتأولونها بهذا التأويل.
وأما أحاديث المسيح عيسى بن مريم اسم> عليه السلام فهي أيضًا متواترة ومتكاثرة، وقد أنكرها كثير من هؤلاء المتهوكين وقالوا: إن القرآن دل على أن عيسى اسم> قد مات؛ قال الله تعالى: رسم> يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ قرآن> رسم> (آل عمران:55) آية> وقال تعالى حكاية عن عيسى اسم> رسم> فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ قرآن> رسم> (المائدة:117) آية> , فإذا كان عيسى اسم> عليه السلام قد توفي فكيف يرجع؟ أليس قد مات، وقد انقطع عمره؟ .
وأجاب العلماء: بأن التوفي هنا هو النوم، يعني: أنامه، ثم رفعه؛ قال الله تعالى: رسم> وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ قرآن> رسم> (النساء:157-158) آية> فالقرآن صريح بأنه رُفع إليه، أي: رفع حيًّا إلى السماء عندما جاء اليهود ليقتلوه، فشُبِّه لهم؛ نزل شبهه على بعض أصحابه كما في قوله تعالى: رسم> وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ قرآن> رسم> (النساء:157) آية> وفُتح له طاق في البيت ورفع إلى السماء, وبقي في السماء حتى ينزل في آخر هذه الدنيا، ويحكم بشريعة نبينا محمد اسم> صلى الله عليه وسلم، وورد في الأحاديث أنه ينزل على المنارة البيضاء التي في المسجد الأموي شرقي دمشق اسم> وأنه يقتل المسيح الدجال اسم> فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، ويقتله في باب لد اسم> - باب هناك في دمشق اسم> - هذه الأحاديث فيه متواترة مذكورة في كتب الصحيح، نصدق بها ولا عبرة بمن أنكرها أو استبعدها.
أما خروج يأجوج ومأجوج فقد ذكر في القرآن في قوله تعالى: رسم> حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قرآن> رسم> (الأنبياء:96) آية> ذكر في الحديث أنهم خلق لا يحصيهم إلا الله، وأنهم يخرجون إلى الدنيا، وأنهم يستولون على الأرض ويشربون المياه التي يمرون بها، حتى إنهم يمرون ببحيرة طبرية اسم> ويشربونها، ويأتي آخرهم ويقول: لقد كان هنا ماء.
مسألة>