الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
79112 مشاهدة
مسألة: في الجنة والنار والموت

  قوله:
( والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان فالجنة مأوى أوليائه، والنار عقاب لأعدائه، وأهل الجنة فيها مخلدون إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [الزخرف: 74-75] ويؤتى بالموت في صُورة كبش أملح، ويُذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة؛ خلود ولا موت، ويا أهل النار؛ خلود ولا موت . )


شرح:
الجنة أو النار هي النهاية التي يستقرون فيها الاستقرار الباقي الدائم؛ الذي ليس بعده ظعن ولا ارتحال ولا تحول أبدًا، هذه هي النهاية، عندما يفصل بينهم يبقى أهل الجنة في دورهم وفي نعيمهم، ويبقى أهل النار في عذابهم وفي حميمهم وفي آلامهم.
ومذهب أهل السنة؛ أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، وأنهما في مكان لا يعلمه إلا الله، وذهب بعض المعتزلة إلى أنهما ليستا موجودتين، وقالوا: إن الله ينشؤهما يوم القيامة، وقالوا : لا حاجة لبقائهما الآن ووجودهما معطلتين ألوف السنين لا ينتفع بهما مغلقة أبوابهما، وما الفائدة من خلقهما ومن إيجادهما ؟ .
ولكن حيث إن الأدلة وردت بوجودهما، فإننا نعتقد أنهما موجودتان، فالله تعالى ذكر إعدادها في قوله تعالى: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران:133) أُعِدَّت يعني: هيئت، فهي معدة الآن، وذكرها في قوله تعالى: عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (النجم:14-15) فدل على أنها موجودة عند سدرة المنتهى.
وهكذا أيضًا كثيرًا ما يذكر النار أعدت لأهلها وهيئت لمن عصى الله تعالى، فدل على أنها موجودة، وأيضًا ورد في الحديث أنه أوقد على النار ألف عام حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت يدل على أنها موجودة ، وهكذا ما ورد أيضًا من صفاتها في القرآن.
والحاصل أن عقيدة أهل السنة أن الجنة والنار موجودتان الآن، وقد تكلم عن ذلك ابن القيم في كتاب (حادي الأرواح) ورجح القول بوجودهما، وتكلم عن جنة آدم التي أُسكنها؛ هل هي جنة الخلد أم أنها جنة أخرى ؟ وذكر حجج القولين في أول كتابه (حادي الأرواح) وفي أول كتابه (مفتاح دار السعادة) وكأنه يميل إلى أنها جنة دنيوية، وإن لم يصرح بذلك .

وأما الجنة الأخروية؛ فإن الله تعالى: وصفها بأوصاف تكون عندما يدخلها أهلها، فذكر أنهارها وأشجارها وثمارها وغرفها والثمار الدانية التي تكون في متناول كل أحد، واللحوم ومما يشتهون، وما أشبه ذلك مما تلتذ به الأعين وما تشتهيه الأنفس ، فيذكر الله تعالى هذا حتى يشوِّق العباد إلى طلبها.
ولما سمع ذلك المشركون أخذوا ينكرون، حتى إن عمرو بن عبد ود لما قابل بعض الصحابة قال: أين جنتكم التي تدعون أن من قتل منكم فيها؟ فقالوا: هي عند الله أو حيث لا يعلمها إلا الله ، وقال بعض الصحابة الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم في أحد أن يقولوا: قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار فلما ذكر الله أن المؤمنين عند ربهم في الجنة، وذكر أن آل فرعون في النار دل على وجود الجنة وعلى وجود النار.
ونؤمن أن لكل منهما أهلاً، وأن الله وعد كلاً منهما بملئها، وقال للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ، وقال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها.
فأما الجنة فيبقى فيها فضل فينشئ الله لها خلقًا، وأما النار فتأبى حكمته أن يسكنها من لم يكن مستحقًّا لها، ومع ذلك يبقى فيها أماكن، ويقول صلى الله عليه وسلم: لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد حتى يضع رب العزة تبارك وتعالى قدمه فيها، فتقول: قط قط، وعزتك. ويزوي بعضها إلى بعض .

فهذا دليل على أنها يكون لها صوت، وأنها لا يعلم قدرها إلا الله مع عظم من يدخلها.
وقد تكلم العلماء في هاتين الدارين؛ الجنة والنار وأطالوا فيهما، ففي الجنة كتب ابن القيم (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح) ضمنه أبوابًا تتضمن كل ما ورد في ذكر الجنة ، ومع ذلك فقد ذكر أيضًا في آخر النونية أكثر من ألف بيت فيما يتعلق بالجنة.
وأما النار: فكتب فيها كثير من العلماء، ومن أشهر من كتب فيها ابن رجب في كتابه المطبوع (التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار) ضمنه أبوابا في ذكر عذابها وحميمها وزقومها وأنهارها، وما يجري فيها ودركاتها، وما أشبه ذلك.