قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
81418 مشاهدة
اختلاف الصحابة فيما بينهم

فالرافضة حملوا على عمر حملة شنعاء، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يكتب الولاية لعلي ولكن عمر خاف أن تكتب لعلي ؛ فنهى عن كتابتها، فصده عن أن يكتب هذا الكتاب !!! هكذا حملوه هذا المحمل؛ مع إنه ما فعل ذلك إلا رفقًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهل يكون هذا قدحًا في عدالته ؟ حاشى وكلا، ولكنهم يغيّرون، وبذلك نعرف أن ما يوردونه من المثالب ومن المساوئ مصوغ صياغة فيها قدح مع أنها في الحقيقة مدح.
فنحن نحب الصحابة ونترحم عليهم، ونكف عما شجر بينهم من الاختلاف، والاختلاف الذي حدث بينهم؛ إما اختلاف في المسائل الفقهية، وهذا يحدث كثيرًا بين أهل الاجتهاد، ومع ذلك هم متآخون متحابون ولو حصل بينهم شيء من الاختلاف ، فقد اختلفوا مثلا في الحاج: هل يفضل له أن يحرم مفردًا، أو يحرم قارنًا، أو يحرم متمتعًا ؟ ومع ذلك فهذا الاختلاف ما أدى بهم إلى بغضاء؛ ولا إلى احتقار بعضهم لبعض ، ولا إلى مقاطعة، ولكنه من باب الاجتهاد.
وهناك مسائل كثيرة وقع فيها اختلاف من جنس هذا، ومثل هذا لا يعد قدحًا فيهم إنما هو اختلاف في مسائل فقهية اختلف فيها أيضًا من بعدهم، وكان سبب الاختلاف كثرة الأدلة وتنوعها، أو النظر فيها ، يقول شيخ الإسلام إنهم في هذه المسائل التي اختلفوا فيها معذورون، فهم إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، فإن كانوا مصيبين فلهم أجران، وإن كانوا مخطئين فلهم أجرٌ على الاجتهاد، وخطؤهم مغفور, فإذا كان أحدهم قد صدر منه ذنب حقيقي فيقول شيخ الإسلام لعله قد تاب منه، والتوبة تجب  ما قبلها، أو لعله غفر له بفضل سوابقه، فلهم سوابق لا يدركها من بعدهم، أو لعله غفر له بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم والصحبة أيضًا عمل يختص بهم، أو لعله يغفر لهم بشفاعته صلى الله عليه وسلم فإنهم أحق بها من غيرهم؛ وذلك لتميزهم بالصحبة له ، وبكل حال فهذا الذي يقال عما صدر منهم.
أما الذي شجر بينهم من القتال - كالذي حصل بين علي ومن خالفه في وقعة الجمل، فنكف عن هذا ونعذرهم؛ فإن عليًّا رضي الله عنه قاتلهم لجمع الكلمة، وهم ما قصدوا قتال علي ؛ فالزبير وطلحة وعائشة ومن معهم قصدوا قتال البغاة، أو الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه، هؤلاء يطالبون بقتلة عثمان وهو يطالب بجمع الكلمة.
وكوقعة صفين التي كانت بين أهل الشام وأهل العراق والتي قتل فيها خلقُ كثير، هذه أيضًا فتنة من الفتن التي حدثت بينهم، نكف عنها ونقول: إن كلا منهم مجتهد، وملخصها أن معاوية ومعه عمرو بن العاص ومعه مَن معه مِن الصحابة في جانب يطالبون بدم عثمان ويقولون لعلي سلّم لنا قتلة عثمان وعليٌّ في جانب يقول لهم: بايعوني حتى تجتمع الكلمة، وحتى تقوى الشوكة، ومن ثم أنا وأنتم نأخذ قتلة عثمان واحدًا واحدًا.
ولكن اختلفوا على ذلك فحصلت هذه الواقعة، وموقفنا الذي نعتقده أن نكل أمرهم إلى الله فلا نسبهم، بل نعذرهم بهذا الاجتهاد، ولا نعيب واحدًا منهم، هذا هو القول الصحيح.
والآيات التي وردت في فضلهم -كالآيات التي ساقها المؤلف- تدل على مميزات لهم:
الآية الأولى: قوله تعالى في سورة الحشر: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا (الحشر:10) فالغل هو الحقد، فكل من جاء بعد الصحابة يمدحهم، ويقول هذه المقالة فإنه من جملة الذين يغفر لهم -إن شاء الله- ويستجاب فيه دعاؤهم.
أما الآية الثانية: في قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (الفتح:29) هذا الوصف ميزة لهم وفضيلة: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (الفتح:29) .
وقد مدحهم بعض الشعراء بقوله:
في الليل رهبانٌ وعند قتالهم
لعدوهـم مـن أشجـع الأبطال
ففي الليل رهبان يصلون يتهجدون، وعند لقائهم العدو أبطال وشجعان، فهم فيما بينهم متآخون ومتحابون كما وصفهم الله تعالى بقوله: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ (المائدة:54) وهذه الآية اشتملت على ستة من فضائلهم الكثيرة.
أما الحديث؛ فقد قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وقعت خصومة بين بعض المتقدمين من الصحابة، وبعض المتأخرين، بين خالد بن الوليد وهو من مسلمة الفتح وبين عبد الرحمن بن عوف وهو من المهاجرين الأولين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد رضي الله عنه ومن معه: لا تسبوا أصحابي -يعني: المتقدمين- فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحد -وهو الجبل المعروف في المدينة- ذهبًا -لم يقل طعامًا- ما بلغ مد أحدهم -سواء مدا من ذهب، أو مدا من طعام- ولا نصيفه يعني: نصيف المد الذي هو ربع الصاع، والمد ملء الكفين المتوسطتين، ونصفه قد يكون ملء الكف الواحدة أو نحوها، فمتى يدرك أحدٌ فضلهم، ومتى يلحقهم غيرهم؟! رضي الله عنهم.