الرد على تأويلات المعتزلة ونحوهم من النفاة
أما المعتزلة رأس> ونحوهم من النفاة فكبرت عليهم هذه الآية فأولوها بعدة تأويلات:
التأويل الأول: يُقال إن الجهم اسم> الذي هو رئيسهم لما قرأ هذه الآية وعنده بعض أصحابه قال: لو تمكنت لمحوت هذه الآية من المصاحف، ولمّا كانت صريحة في الرد عليهم لم يجدوا بدا من الخوض في تأويلها، وأكثرهم فسر استوى باستولى، واستدلوا ببيت يقول فيه الشاعر:
قد استوى بشر اسم> على العراق اسم> | من غير سيف أو دم مهراق |
ولا يدري من الذي قال هذا البيت، وبعضهم يقول: إنه للأخطل، اسم> والأخطل اسم> نصراني لم يدخل في الإسلام، ولو كان عربيا من بني تغلب، ولعل ذلك هو الذي أراده ابن القيم اسم> بقوله في النونية:
ودليلهم في ذاك بيت قاله | فيما يقال الأخطل النصراني |
وفي لامية شيخ الإسلام ابن تيمية اسم> يقول فيها:
قبحٌ لمن نبذ الكتاب وراءه | وإذا استدل يقول قال الأخطل |
ثم نقول: هذا البيت على تقدير صحته، فالاستواء فيه بمعنى العُلو، استوى على العراق اسم> يعني: استقر على سريرها، فهو دال على العلو، فلا يكون دليلا على الاستيلاء، ثم نقول: إن الاستيلاء ليس خاصًّا بالعرش ، وهذا هو الذي ذكره ابن القيم اسم> عن الأشعري اسم>
والأشعري اسم> يقول تفسير استوى | بحقيقة استولى من البهتان |
الأشعري هو أبو الحسن اسم> الذي تنتسب الأشاعرة إلى مذهبه الأوسط، وقد رجع عنه في كتابه ( الإبانة ), فيقول فيها: إنهم فسروا الاستواء بالاستيلاء، ولو كان الأمر كما يقولون: لم يكن للعرش ميزة؛ فإن الله تعالى مستولٍ على كل شيء، ولا يجوز أن يوصف بأنه استوى على غير العرش، فلا يجوز أن تقول: إن الله استوى على الجبال، إن الله استوى على الأرض، إن الله استوى على الحشوش، إن الله استوى على الأشجار وعلى القصور؛ وحيث إنه خص الاستواء بالعرش فإنه يختص به ، فلو كان الاستواء بمعنى الاستيلاء فلماذا يخص العرش وحده ؟! الله مستولٍ على الجميع ، هذا من جهة، ومن جهة ثانية : فإن الاستيلاء لا يكون إلا بعد منازعة, سمعت حكاية أن بعض المبتدعة قام في أحد المساجد وأخذ يتكلم عن الاستواء، وأخذ يقرر أن استوى بمعنى استولى ، والله هو المستولي واستولى على العرش, ثم إن بعض الحاضرين أمر غلامًا له أن يخرج ويطل من النافذة، ويقول له: قبل أن يستولي على العرش من العرش له ؟! فبهت ذلك الذي يتكلم ، فقالوا له: صحيح هذا السؤال واضح ، نحن نقول وغيرنا : لمن كان العرش قبل أن يستولي الله عليه؟! وبهذا نعرف بطلان هذا التفسير.
التأويل الثاني : إن العرش بمعنى الملك، قال تعالى: رسم>
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ قرآن> رسم> ( يونس:3 ) آية> أي: استوى على الملك ، وتفسيرهم العرش بأنه الملك كله إبطال الذي ذكره الله تعالى ووصفه بصفات خاصة، والله تعالى وصف هذا العرش بقوله تعالى: رسم>
رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ قرآن> رسم> ( المؤمنون:116 ) آية> رسم>
رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ قرآن> رسم> ( النمل:26 ) آية> رسم>
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ قرآن> رسم> ( البروج:15 ) آية> وذكر أن العرش محمول قال تعالى: رسم>
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ قرآن> رسم> ( غافر:7 ) آية> رسم>
وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قرآن> رسم> ( الحاقة:17 ) آية> رسم>
وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ قرآن> رسم> ( الزمر:75 ) آية> رسم>
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ قرآن> رسم> ( غافر:15 ) آية> في آيات كثيرة أفتبطل هذه كلها ؟ ويقال: العرش هو الملك ، هذا من الخطأ, زيادة على النصوص الكثيرة التي فيها إثبات حملة العرش ، وكيف حملوه وعددهم، وبأي شيء حملوه ، وما أشبه ذلك، كل ذلك يدل على أن العرش مخلوق كبير لا يعلم قدره إلا الله تعالى، ورد في بعض الأحاديث أن رسم> الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة رسم>
الحلقة هي الحديدة المتلاقية الطرفين، ماذا تشغل من أرض واسعة ؟ فكذلك العرش والكرسي ، فالعرش لا يعلم قدره إلا الله ، والكرسي هذه نسبته ، مع أن الكرسي قد وسع السماوات والأرض كما نص الله على ذلك, وروي في حديث مرفوع : رسم> ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس رسم>
الترس: هو المجن الذي يوضع على الرأس في القتال ، ماذا تشغل السبعة فيه ؟ فإذا كانت هذه نسبة المخلوقات العلوية والسفلية العظيمة إلى الكرسي ، وهذه نسبة الكرسي إلى العرش ، فما تكون نسبة العرش وما هو مقداره ؟ لا يقدر قدره إلا الله تعالى, إذا فهذان تأويلان باطلان، والأول منهما هو الأشهر ( استوى ) بمعنى: استولى، فإنهم زادوا فيها ( لامًا ) ويسمى هذا تحريفًا لفظيًّا، وزيادة هذه اللام شبيهة بالنون التي زادها اليهود لما قيل لهم قولوا: ( حِطَّة )، فقالوا: ( حِنْطة ) هكذا شبهها ابن القيم اسم> بقوله :
نونُ اليهود ولامُ جهمي هما | في وحي ربَّ العرشِ زائدتان |
شبهها بنون اليهود، إذًا فنحن نعرف أن هذا النص من الأدلة الواضحة على صفة العلو لله تعالى ، ولا نخوض في أكثر من ذلك.
مسألة>