قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. logo إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
shape
تفاسير سور من القرآن
103753 مشاهدة print word pdf
line-top
تفسير قوله: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ

...............................................................................


وقوله: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا لم يقل: فبدلوا، وعدل عن الضمير إلى الظاهر؛ ليسجل عليهم ظلمهم، ويميط ما نزل عليهم باسم الظلم الذي ارتكبوه. وقد قدمنا في هذه الدروس مرارا أن الظلم في لغة العرب التي نزل بها هذا القرآن العظيم؛ أن الظلم هو وضع الشيء في غير محله؛ فكل من وضع شيئا في غير موضعه فقد ظلم فى لغة العرب.
وهذا معروف في كلامهم، ومنه قالوا للذي يضرب لبنه قبل أن يروب -قالوا: هو ظالم؛ لأنه وضع ضرب اللبن في غير موضعه؛ لأن ضربه قبل أن يروب يفسد زبده فهو ظلم؛ لأنه وضع للضرب في غير موضعه.
وفي لغة الحريري في مقاماته؛ هل يجوز أن يكون الحاكم ظالما؟ قال: نعم؛ إذا كان عالما. يجوز أن الحاكم إذا كان يضرب لبنه قبل أن يروب، لا مانع من توليته إذا كان من أهل العلم. وهذا معنى مطروق في كلام العرب، منه قول الشاعر:
وقائلة ظلمـت لكــم سقائـــي
وهل يخفـى على العكــد الظلــم
ظلمت لكم سقائي؛أي ضربته لكم قبل أن يروب. والعكد عصب اللسان، لا يخفى عليه اللبن المضروب قبل أن يروب من غيره.
ونظيره قول الآخر:
وصاحـب صـدق لم تربـن شكاته
ولم.... لــه عبــدا أجـــره
يعني سقاءه فرضه قبل أن يروب. ومن هذا المعنى قيل للأرض التي حفر فيها وليست محلا للحفر: مظلومة؛ ومنه قول نابغة ذبيان
قيـل ............... بينهــــا
................. مظلـومة الجلــد
وقالوا لتراب القبر: ظليم فعيل بمعنى مفعول لأنه مظلوم؛ لأن القبر يحفر غالبا في محل ليس معتادا للحفر سابقا.
ومنه قول الشاعر يصف رجلا مقبورا:
فأصبـح في غـبراء بعد إشاحة
من العيـش مـردود عليها ظليمهـا
هذا معروف في كلام العرب.
وإذا عرفتم أن الظلم في لغة العرب معناه وضع الشيء في غير موضعه فاعلموا أن أعظم أنواع وضع الشيء في غير موضعه وضع العبادة في غير من خلق؛ فمن أكل رزق الله الذي خلقه ورزقه وعبد غيره فقد وضع العبادة في غير موضعها فهو ظالم.
ولذا كثر في القرآن إطلاق الظلم على الشرك بالله؛كما قال تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ وقال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وقال تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ .
وقد ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال: بالشرك، ثم تلا قوله تعالى عن لقمان الحكيم يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .
فوضع العبادة في غير من خلقه هوأكبر أنواع الظلم. وكذلك وضع الطاعة في غير موضعها كالذين يعصون الله، ويطيعون الشيطان وذريته؛ فقد وضعوا الطاعة في غير موضعها؛ حيث أطاعوا عدوهم إبليس أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا وقد عصوا الله فوضعوا المعصية في غير موضعها، والطاعة في غير موضعها.
ومن هنا كان الظلم ظلمين. ظلم بالكفر المخرج عن الإسلام، وظلم دون ظلم، وظلم النفس في ارتكاب المعاصي؛ لأن كلا منهما وضع الشيء في غير موضعه.
وقد جاء في موضع واحد من القرآن في سورة الكهف وضع الظلم بمعنى النقصان وهو قوله تعالى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ؛ يعني ولم تنقص منه شيئا، كما سيأتي. وهذا معنى قوله: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ؛ يعني وضعوا الأمر في غير موضعه؛ حيث قابلوا نعم الله بالعصيان وعصوا الله وأطاعوا إبليس.
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ وهو حطة بدلوه قولا غير الذي قيل لهم؛ فقالوا: حبة في شعرة أو حنطة في شعرة، أو حنطة في شعيرة، أو غير ذلك من الألفاظ. وقد قدمنا أن كون الذي قالوا: حبة في شعرة ثابت في صحيح البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة .

line-bottom