تفاسير سور من القرآن
المراد بالنسيء
...............................................................................
ومعنى الآية الكريمة رسم> إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ قرآن> رسم> اختلف العلماء في تحقيق كلمة رسم> النَّسِيءُ قرآن> رسم> ؛ هنا فقال بعضهم: هو من نسأ الثلاثية، وهو فعيل بمعنى مفعول. العرب تقول: نسأه ينسؤه نسأ إذا أخر، والعرب تأتي بالفعيل مكان المفعول،كما يقولون: قتيل مكان مقتول، وجريح مكان مجروح، ونسيء مكان منسوء؛ أي مؤخر؛ فعلى هذا القول؛ فالنسيء فعيل بمعنى مفعول، كقتيل بمعنى مقتول، وجريح بمعنى مجروح، وعلى هذا فهو من نسأ الثلاثية .
والقول الثاني أن رسم> النَّسِيءُ قرآن> رسم> اسم مصدر أنسأ الرباعية، على وزن أفعل؛ لأن العرب تقول: أنسأ الأمر ينسئه إنساء ونسيئا؛ فالإنساء مصدر قياسي، والنسيء مصدر سماعي، كما جاء النذير مصدرا لأنذر، والنكير مصدرا لأنكر، والنسيء مصدرا لأنسأ بمعنى أخر.
فعلى أن النسيء اسم مصدر بمعنى الإنساء فلا إشكال؛ لأن الإنساء فعل الفاعل، وعلى هذا فلا إشكال في قوله: رسم> زِيَادَةٌ قرآن> رسم> ؛ أي لأن تأخير الشهر الحرام، وإنساءه من نقله من المحرم وتأخيره منه إلى صفر، هذا التأخير والإنساء رسم> زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ قرآن> رسم> ؛ لأنه أحل ما حرم الله وهو المحرم، وحرم ما أحله الله وهو صفر.
أما على القول: بأن النسيء فعيل بمعنى مفعول، وأنه من نسأ الثلاثية، وأن النسيء بمعنى الزمان المنسوء، فيكون في قوله: رسم> زِيَادَةٌ قرآن> رسم> إشكال؛ لأن نفس الشهر المنسوء المؤخر ليس هو عين الزيادة؛ ولذا لا بد في هذا المعنى من تقدير مضاف؛ أي إنما نسء النسيء زيادة في الكفر، أو إنما النسيء ذو زيادة؛ أي صاحب زيادة في الكفر حاصلة فيه .
فاتضح من هذا أنه على أن النسيء اسم مصدر من أنسأ فلا تقدير في قوله: رسم> زِيَادَةٌ قرآن> رسم> وعلى أنه فعيل بمعنى مفعول من نسأ الثلاثية، فلا بد من تقدير المضاف، إما قبل زيادة، أو قبل النسيء؛ فتقول: نسء المنسوء زيادة؛ أي تأخير الشهر زيادة في الكفر. أو تقول: المنسوء ذو زيادة؛أي صاحب زيادة في الكفر، لوقوعها بسببه.
وهذا معنى قوله: رسم> إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ قرآن> رسم> ؛ لأنهم كانوا كفارا، فلما أحلوا محرما وهم يعلمون أن الله حرمه، وحرموا صفرا وهم يعلمون أن الله ما حرمه -صاروا بهذا التشريع مرتكبين كفرا جديدا كما بينا، ازدادوا بهذا الكفر كفرا جديدا إلى كفرهم الأول.
يَضِل به الذين كفروا، و رسم> يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا قرآن> رسم> ؛ معناه يضلهم الشيطان، كما يأتي في قوله: رسم> زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ قرآن> رسم> رسم> يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا قرآن> رسم> قد أشرنا بالأمس أن هذه الآية الكريمة من سورة براءة، والحديث الذي جاء في مضمونها رسم> إن الزمان قد استدار كهيئته متن_ح> رسم> الحديث .
خلط فيه خلق من كبار المفسرين ومن تكلموا على الحديث، وأن الصورة الحقيقية التي قالت بها جماعة من السلف، والقرآن يشهد لصحة قولهم، أنها التي كان يعملها الكنانيون؛ القلمس اسم> ومن بعده، وكان شاعرهم يفتخر بذلك، ويقول شاعرهم، وهو عمير بن القيس اسم> المعروف بجزل الطعان:
لقد علمـت معــد أن قـومــي | كرام النـاس إن لهــم كرامــا |
ألسنا الناسئــين علـى معـــد | شهور الحـل نجعلهــا حرامــا |
وأي الناس لـم يــدرك بذكـــر | وأي الناس لـم يعــرف لجامــا |
ويأتي في العام القادم ويقول مثل مقالته: أنا الذي لا أجاب ولا أعاب، ولا مرد لما أقول؛ قد حرمت هذا العام محرما، وأبحت صفر، كما هي العادة؛ فيحل لهم المحرم عاما، ويحرم مكانه صفرا، ويحرم المحرم عاما، فيترك الأشهر على حالها، وهذا موافق لقوله: رسم> يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا قرآن> رسم> وموافق لقوله: رسم> لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ قرآن> رسم> أما الصور الأخرى فلا تتفق مع الآية .
أما الذين زعموا أنه يقول لهم في بعض السنين: حللت لكم المحرم وصفرا معا فهما صفران لا محرم في هذه السنة، وإنما فيها صفران فيحل لهم المحرم، ويترك صفر على حلاله الأصلي. وفي السنة القابلة يقول: هما محرمان، المحرم الذي كان حراما وصفر بدل المحرم الذي حرمه في السنة القابلة؛ فهذا وهو إن قال به جماعة كبيرة من العلماء؛ فهو لا يصح؛ لأنهم على هذا القول في إحدى السنتين ما حرموا إلا ثلاثة أشهر، والأشهر الحرم أربعة، وفي السنة الثانية حرموا خمسة أشهر، فلم يواطئوا ما حرم الله لا في السنة الأولى، ولا في السنة الثانية.
وكذلك قول من قال: إنهم كانوا يسمون صفرا محرما، ويسمون ما بعد صفر صفرا، وكل شيء يسمونه باسم ما بعده، ويحجون في كل شهر عامين، وأن حجة أبي بكر اسم> عام تسع وافقت ذي القعدة، وأن أبا بكر اسم> حج بالناس عام ذي القعدة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حج بالناس حجة موافقة ذي الحجة، وأن هذا معنى استدارة الزمان كهيئته يوم خلق السماوات والأرض.
فهذا لا شك في أنه فاسد باطل؛ لأن الله صرح في كتابه بقوله في حجة أبي بكر اسم> بالناس عام تسع: رسم> وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قرآن> رسم> وقد أذن ببراءة علي اسم> رضي الله عنه ومن معه يوم الحج الأكبر، ومعلوم أن الله لا ينزل في كتابه يوم الحج الأكبر، يريد أنه من ذي القعدة، فهذا من الباطل الذي لا شك فيه، فهذا كله لا يصح .
فالتحقيق أن هذه الصورة التي نزل به القرآن التي كان يفعله لهم الكنانيون-أنهم سنة يحرمون صفر ويحلون المحرم مكانه، وفي سنة يبقون الأمر على حاله، فيحلون المحرم سنة ويحرمونه سنة، ويواطئون بذلك، يوافقون عدة ما حرم الله، وهي أربعة أشهر من السنة.
وهذا معنى قوله: رسم> يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا قرآن> رسم> العام السنة، والألف التي في مكان عينه منقلبة عن واو؛ فيكسر على أعوام؛ فعينه واو.
مسألة>