شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
تفاسير سور من القرآن
65264 مشاهدة
تفسير قوله: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ

وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُون .


وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُون .
قصة هذه القرية كان يخفيها اليهود لأنها سبة عليهم. وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم لهم بها، وسؤالهم عنها مع أنه نبي أمي من معجزاته وأدلة نبوته؛ لأنه ما علمها إلا عن طريق الوحي.
وسنذكرها ملخصة موجزة ثم نذكرها مفصلة في الآيات التي شرحتها. وقد ألممنا بهذه القصة في هذه الدروس في سورة البقرة فى الكلام على قوله: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ .
فآيات سورة الأعراف هنا بسط وشرح لقوله في البقرة: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ هذه القرية يزعم المفسرون أغلبهم وأكثرهم أنها قرية تسمى أيلة قريب من العقبة على ذلك الشاطئ بين الطور ومدين .
وأنها في زمن داود عليه السلام، كان محرما عليهم الاصطياد في السبت كما تقدم في قوله: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ كان محرما عليهم صيد السمك يوم السبت، وكان يشتد قرمهم إلى لحم السمك والقرم بفتحتين شهوة اللحم.
وكان الله افتتنهم فتنة؛ كان إذا كان يوم السبت جاءهم السمك على وجه البحر أفواجا أفواجا كالكباش البيض حتى يتمكن كل إنسان من أخذ ما شاء منه في أحسن حال وأسمنها، فإذا غربت شمس يوم السبت تمنع في البحر؛ فلا يقدرون على شيء منه.
وهذا ابتلاء وامتحان لهم فمكثوا من الزمن بهذا ما شاء الله. ثم بعد ذلك اشتدت شهوتهم إلى اللحم؛ فصاروا يحتالون على السمك يوم الجمعة مثلا؛ فيجرون في الماء أخاديد يسيل فيها الماء، فإذا انتهت حفروا حفرا عميقة، فإذا جاء الحوت مع تلك الأخاديد المائية نزل في الحفر؛ فلا يقدر على الرجوع فأخذوه يوم السبت.
وكان بعضهم فيما يقولون: يجعل في ذنب الحوت خيطا ويدق وتيدا على الشاطئ، ويمسك رأس الخيط فيه فيبقى الحوت في الماء ممسكا بالخيط، فإذا غربت شمس يوم السبت جاء وأخذه. فلما فعلوا هذه الحيل ولم يعاجلهم العذاب كأنهم تجرأوا وتشجعوا، وقالوا: لعل حرمة صيد السمك رفعها الله؛ لأنه لم يفعل بنا بأسا. فلم يزالوا يتدرجون ...
... وطائفة نهتهم عنه قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ وطائفة قالوا للذين نهتهم: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا .
والله بين أن الذين اعتدوا في السبت عذبهم عذابا بئيسا وهو مسخهم قردة وقيل بعضهم خنازير كما يأتي تفصيله كما ذكرهم في قوله: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ وفي قوله: وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ .
والطائفة الذين نهت أنجاهم الله كما ذكره في قوله: أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وبقية الطائفة التي قالت: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ فبعض العلماء يقول: هم مع الهالكين، والمحققون يقولون: هم ناجون؛ لأنهم كرهوا ما هم عليه وخالفوهم وقالوا لقومهم: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا .
ذكروا عن عكرمة أنه كان يقول: إن ابن عباس ما كان يدري هل نجوا أو هلكوا؛ حتى أقنعه عكرمة بأنهم نجوا فكساه حلة. ومن أظهر الأدلة في أنهم نجوا قوله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً فرتب بالفاء قوله: قِرَدَةً بخصوص الذين اعتدوا وهؤلاء لم يعتدوا بل إنما لم يذكر عنهم أنهم نهوا، ولما كانوا يفعلون هذا وصاروا يصطادون السمك علنا ونهاهم قومهم قال لهم قومهم: والله لا نساكنكم لأنا نخاف أن ينالنا العذاب الذي سينزل عليكم. يذكر المفسرون في قصتهم أنهم قسموا القرية ويزعمون أن الذين اصطادوا قربا من سبعين ألفا وأن الذين نهوا قربا من اثني عشر ألفا والله أعلم؛ فهي إسرائيليات لم يثبت فيها شيء. قالوا: فجعلوا بينهم حائطا وقسموا القرية بينهم نصفين لكل منهم مدخل ومخرج غير مدخل الثاني ومخرجه فمكثوا على ذلك ما شاء الله ثم لما كان ذات يوم فإذا قرية المعتدين لم يفتح بابها ولم يخرج منها أحد؛ فتسوروا عليهم الحائط فوجدوهم والعياذ بالله مسخوا قردة. فلما جاءوهم وفتحوا الباب فوجدوهم قردة.
يذكر المفسرون أن الواحد من القردة يعرف نسيبه من الآدميين الذين لم يمسخوا فيجيئه ويتمسح به ويبكي وأن الآدميين يقولون لهم ألم ننهكم عن انتهاك حرمات الله؟ وأنهم يشيرون برءوسهم أن نعم هكذا.
وسيأتي هذا مفصلا بحسب الآيات التي ذكره الله فيها من سورة الأعراف هذه وهذا معنى قوله: وَاسْأَلْهُمْ يا نبي الله قرأه أكثر السبعة: وَاسْأَلْهُمْ وخفف بعضهم بنقل الحركة وَسَْلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ معناها مبنية على شاطئه في حضرته قريبا منه.
وهي على ما يقوله أكثر المفسرين قرية تسمى أيلة ؛ خلافا لمن زعم أنها مدين ومن زعم أنها طبرية ومن زعم أنها تسمى معنا ومن زعم أنها تسمى مقنى فكل هذا إسرائيليات، ولكن أكثر الأخبار والروايات أنها أيلة ؛ كما ذكرنا.
وهذا معنى قوله: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ اسألهم عنهم حين يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ يَعْدُونَ معناه يجاوزون حدود الله وينتهكون أوامره باصطياد السمك يوم السبت إِذْ تَأْتِيهِمْ حين تأتيهم حِيتَانُهُمْ الحيتان جمع حوت وياؤه مبدلة من واو؛ لأن أصل الحوت ثلاثي واوي العين زيدت في جمعه الألف والنون وأبدلت الواو ياء لسكونها بعد كسرة كما في الميزان من الوزن والميعاد من الوعد والميقات من الوقت.
والحيتان ياؤه مبدلة من واو جمع حوت تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ السبت مصدر سبت اليهود سبتا إذا عظموا يوم السبت للانقطاع للعبادة فيه وترك صيد السمك؛ وهذا معنى قوله: إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا شُرَّعًا جمع شارع قال بعض العلماء: تأتيهم مقبلة؛ تأتيهم الحيتان مقبلة ظاهرة على وجه الماء كأنها صفوف كثيرة؛ حتى تستر وجه الماء من كثرتها؛ فالشراع على هذا بمعنى الظاهرة المقبلة على وجه الماء.
والعرب تقول شرعت على فلان فوجدته يفعل كذا معناه أقبلت عليه حتى قربت منه فوجدته يفعل كذا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ أي يوم لا يعظمون السبت لأنه يوم آخر من أيام الأسبوع لا تأتيهم؛ فتنة لهم وامتحانا كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ كذلك البلاء العظيم نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ نَبْلُوهُمْ معناه نختبرهم بسبب كونهم فاسقين؛ فقد ابتلوا بالطمع ولم ينجحوا؛ وقد ابتلوا بالخوف ولم ينجحوا؛ لأن الابتلاء الذي يميز ذهب الرجال من زائفهم هو الطمع والخوف فإن المحن الذي يظهر بها ذهب الرجال ويبرزهم إنما هي محن الخوف والطمع.
وقد ابتلى الله أمة موسى بالخوف والطمع وابتلى أمة محمد بالخوف والطمع؛ فنجح أمة محمد ولم تنجح أمة موسى؛ لأن الطمع الذي ابتلى الله به بني إسرائيل هو هذه القرية التي ذكرنا.
وسيأتي أنهم اصطادوا السمك في السبت فمسخوا قردة كما يأتي في قوله: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ -والعياذ بالله-؛ لأنهم لم يصمدوا أمام الطمع ولم تقو شكائمهم أمام الطمع؛ بل ذابوا واماعوا أمام طمع شهوة اللحم.
وكذلك لما ابتلاهم بالخوف في جهاد الجبارين وقال لهم: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ فجبنوا ولم يشجعوا قال تعالى عنهم أنهم قالوا: إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا وقد قالوا لنبيهم: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ فلم يثبتوا أمام عواصف الطمع ولم يثبتوا أمام عواصف الخوف؛ بخلاف هذه الأمة الكريمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد ابتلاهم بالطمع في نفس الصيد وذلك في غزوة الحديبية في ذي القعدة من عام ست.
ابتلاهم الله وهم في سفر وشدة قرم أعني شدة شهوة إلى اللحم ابتلاهم بأن يسر لهم جميع أنواع الصيد وهم محرمون كبير الصيد وصغيره من أنواع الوحوش والطير وغير ذلك؛ فلم يمد رجل منهم يده إلى شيء من ذلك فنجحوا ولم تزعزعهم عواصف الطمع بل ثبتوا أمامه ثبوت الرجال.
وهذا قد تقدم في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ؛ فثبتوا ولم تزعزعهم عواصف الطمع.
وكذلك ابتلاهم بالخوف لما سافر النبي صلى الله عليه وسلم سفره في غزوة بدر الكبرى -كما سيأتي تفاصيله في سورة الأنفال إن شاء الله تعالى- وقد خرج لأجل عير في ثلاثمائة رجل وثلاثة عشر رجلا يريدون عيرا ليأخذوها فجاءهم جيش عرمرم نفير مسلح.
فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بالجيش وذكر أمرهم لقومه وهو أمر مخيف؛ لأنه جيش عظيم في عَدده وعُدده وهم قليلون كما قال تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ هم قليل عَددهم وعُددهم بالنسبة إلى عدوهم.
فلما عرض ذلك عليهم قال له المقداد بن عمرو -المعروف بالمقداد بن الأسود من بني بهراء من قبائل اليمن حليف قريش- قال له: والله لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا من دونه معك ولو خضت بنا البحر لخضناه، ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى فلما أعاد الكلام قال له سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه: كأنك تعنينا معشر الأنصار؟ قال: نعم -لأن الأنصار اشترطوا عليه ليلة العقبة أنه يحمونه مما يحمون منه أبناءهم ونساءهم في نفس المدينة ولم يشترطوا له الخارج عن بلادهم، فكان صلى الله عليه وسلم يتخوف ألا يكونوا معه في الخارج عن ديارهم -.
فلما قال له سعد بن معاذ رضي الله عنه: كأنك تعنينا معشر الأنصار؟ قال له: نعم. قال كلامه المعروف المشهور في المغازي والتاريخ العظيم الدال على عظيم الثبات الذي يقول فيه: والله إنا لقوم صبر في الحرب صدق عند اللقاء، فوالله ما نكره أن تلقى بنا عدوك حتى ترى منا ما يقر عينك، والله لقد تخلف عنك بالمدينة أقوام لو علموا أنك تلقى كيدا ما تخلف عنك منهم أحد، ونحو هذا من الكلام.
فثبتوا وصمدوا عند هذا الخوف العظيم، وثبتوا أمام هذا الطمع العظيم بخلاف الإسرائيليين كما بينا. وكما جاء هنا في الأعراف من سقوطهم أمام الطمع، وكما قدمنا في سورة المائدة من سقوطهم أمام الخوف.
هذا معنى قوله: إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُم يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ البلاء معناه الاختبار وهو يقع بالخير والشر؛ كما قال: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ولم ينجحوا في هذا البلاء إلا الذين عصمهم الله جل وعلا.
ونرجو الله جل وعلا ألا يزيغنا الطمع ولا الخوف عن طاعته تعالى اللهم ثبتنا أمام كل زعازع ولا تردنا عما يرضيك اللهم لا تجعل الطمع سبب ضلالنا ولا تجعل الخوف سبب ضلالنا واهدنا ووفقنا رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ .