تفاسير سور من القرآن
معنى قوله: يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
...............................................................................
رسم> يَهْدُونَ بِالْحَقِّ قرآن> رسم> ؛ أي يهدون الناس بالحق. والمراد بالحق الذي يهدون به الناس هو شرع الله ودينه الذي أنزله على رسله رسم> وَبِهِ قرآن> رسم> ؛ أي بالحق المذكور رسم> يَعْدِلُونَ قرآن> رسم> يصيبون العدالة المتجافية عن طرفي الإفراط والتفريط؛ فالعدالة المشي على الصواب وطريق القصد المتجافي عن طرف الإفراط والتفريط.
وهذه الآية الكريمة دلت على أن من قوم موسى أمة طيبة على الحق. وهذا المعنى جاء مصرحا به في آيات كثيرة كقوله تعالى: رسم> لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ قرآن> رسم> .
وكقوله جل وعلا: رسم> وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ قرآن> رسم> وكقوله تعالى: رسم> قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا قرآن> رسم> الآية.
وكقوله في آيات كثيرة: رسم> يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قرآن> رسم> في أهل الكتاب الذين يفرحون بما أنزل إليه صلى الله عليه وسلم. وقد بين القرآن أن هذه الطائفة من أهل الكتاب التي كانت متمسكة بشريعة موسى اسم> وبما في التوراة إذا كانت على ذلك حتى آمنت بنبينا محمد اسم> صلى الله عليه وسلم أنها تؤتى أجرها مرتين، أجر إيمانها الأول بموسى اسم> وكتابه وإيمانها بمحمد اسم> وكتابه.
نص الله على هذا من سورة القصص في قوله: رسم> وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِين أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا قرآن> رسم> الآية. وهذا معنى قوله: رسم> وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ قرآن> رسم> .
وقد قدمنا في سورة المائدة أن ظاهر القرآن أن هذه الأمة هي الأمة المقتصدة المذكورة في قوله: رسم> مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ قرآن> رسم> فهذه الأمة غاية ما نوه الله به عنها أنها مقتصدة.
وهذه الأمة الكريمة التي هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم لما نوه عنها، وعن كتابها جعل فيها مرتبة أعظم من المقتصدة، وذلك في قوله: رسم> ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ قرآن> رسم> .
فجعل فيه سابقا بالخيرات فوق المقتصد، ووعد الجميع ممن أورثوا هذا الكتاب بقوله: رسم> جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ قرآن> رسم> الآية. فآية فاطر هذه تدل دلالة عظيمة واضحة على عظم هذه الأمة المحمدية، وعلى عظيم نعمة هذا الكتاب والرحمة والنور الذي أنزل الله إليها من السماء على لسان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
لأن الله لما قال: رسم> ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا قرآن> رسم> -بين أن إيراث هذا الكتاب علامة الاصطفاء وهو الاختيار من الله. ثم قسم هذه الأمة التي اصطفاها الله بإيراث هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام. قال: رسم> فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ قرآن> رسم> ....
... الكتاب هو الفضل الكبير من الله عليكم. ثم وعد الجميع -والأول منهم الظالم لنفسه- بوعده الصادق: رسم> إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ قرآن> رسم> رسم> جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ قرآن> رسم> .
ولم يبق عن الطوائف الثلاثة الموعودة بالجنة ممن لا يخلف الميعاد إلا الكفار؛ لأن الله ذكر في مقابلتهم الكفار في قوله: رسم> وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ قرآن> رسم> .
وكان بعض العلماء يقول: حق لهذه الواو في سورة فاطر أن تفتدى بماء العينين، يعنى: واو رسم> يَدْخُلُونَهَا قرآن> رسم> ؛ لأنها واو شاملة بالوعد الصادق من الله بجنات عدن لجميع هذه الأمة التي ورثت هذا الكتاب، وعلى رأسهم ظالم لنفسه.
وأصح التفسيرات للظالم والمقتصد والسابق بالخيرات في آية فاطر هذه؛ أن الظالم هو الذي يطيع الله تارة، ويعصيه أخرى وهو من الذين قال الله فيهم: رسم> خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ قرآن> رسم> والمقتصد هو الذي ينتهي عن المحرمات، ويأتي بالواجبات، ولا يتقرب بالنوافل التي هي غير ترك الحرام أو أداء الواجب. السابق بالخيرات هو الذي يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي، ويتقرب إلى الله بالنوافل.
وقد ذكرنا مرارا أن العلماء اختلفوا في السبب الذي قدم من أجله الظالم لنفسه في هذا الوعد العظيم من الله الذي لا يخلف الميعاد في جنات عدن، وما فيها من النعيم؛ فمن أين للظالم لنفسه أن يقدم على السابق بالخيرات والمقتصد؟ فقال بعض العلماء: هذه الآية من سورة فاطر مقام إظهار كرم رب العالمين، وشدة رحمته ولطفه بعباده؛ فقدم الظالم ليلا يقنط، وأخر السابق بالخيرات ليلا يعجب بعمله فيحبط.
وقال بعض العلماء: قدم الظالم لنفسه؛ لأن أكثر أهل الجنة الظالمون لأنفسهم الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا؛ لأن السابقين قليل، والمقتصدون أقل من الظالمين. وهذا معنى قوله: رسم> وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ قرآن> رسم> وسيأتي حديث عند قوله: رسم> وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ قرآن> رسم> قد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: رسم> هذه لكم وقد أعطي القوم مثلها رسم> يعني قوم موسى؛ في قوله هنا: رسم> وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ قرآن> رسم> ولكن آية فاطر هذه التي ذكرناها زادت بالسابق بالخيرات، وبالوعد بالجنات للجميع؛ ففيها من إظهار فضل هذه الأمة ما لم تتناوله إحدى الآيتين هنا في سورة الأعراف.
مسألة>