الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه logo شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
shape
تفاسير سور من القرآن
92458 مشاهدة print word pdf
line-top
معنى قوله تعالى: أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ

...............................................................................


ومن هذا القبيل قال نبي الله نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لقومه: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ هذه الهمزة التي تأتي بعدها أداة عطف كالواو والفاء وثم، الأكثرون من علماء العربية على أن الهمزة تتعلق بجملة محذوفة، وأن الواو إنما فتحت، لأنها عاطفة على الجملة المحذوفة الذي دل عليه المقام.
وهذا هو الوجه المختار من الوجهين، واعتمده ابن مالك في الخلاصة بقوله:
وحذف متبوع بـدا هنـا استبــح
..................................
وتقدير المحذوف: أكفرتم وكذبتموني وعَجِبْتُمْ أيضا من أن جاءكم ذكر من ربكم؛ أي أكفرتم وعَجِبْتُمْ. إنكار لكفرهم، وإنكار لعجبهم المعطوف عليه؛ لأن كل هذا ليس محل استنكار، والعجب معروف وهو أن يستغرب الإنسان الشيء ويستبعده كأنه ليس من المألوف وجود نظيره.
أَوَعَجِبْتُمْ ؛ أي أكفرتم وعَجِبْتُمْ أي تعجبتم واستغربتم من أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ ؛ أي جَاءَكُمْ ذِكْرٌ ؛ أي موعظة. المراد بالذكر هنا موعظة الله التي أنزلها على نبيه نوح من توحيد الله الخالص وعبادته وحده جل وعلا، والوعظ الذي يلين القلوب، والزجر عن عبادة غير الله. فهذا الذكر الذي جاءهم.
ذِكْرٌ ؛ أي وعظ نازل من الله، عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ على لسان رجل منكم بعثه الله فيكم نبيا، بعثه الله بهذا الوعظ لأجل أن ينذركم. وقد قدمنا أن الإنذار أنه الإعلام المقترن بتهديد خاصة؛ فكل إعلام إنذار، وليس كل إنذار إعلاما، أي لِيُنْذِرَكُمْ ؛ أي ليخبركم برسالات الله مبلغكم أوامره ونواهيه، مبينا لكم أنكم إن لم تتقوه وتطيعوا رسوله أنكم ستلقون العذاب الأليم والنكال الشديد.
وكون الإخبار مقترنا بهذا التهديد والتخويف من عذاب الله ونكاله هو معنى الإنذار؛ أي لِيُنْذِرَكُمْ ؛ لأجل أن ينذركم يخوفكم عقاب الله، وشدة نكاله وبأسه إن تماديتم على كفركم. وَلِتَتَّقُوا علة أخرى؛ أي جَاءَكُمْ ذِكْرٌ من ربكم على لسان رَجُلٍ مِنْكُمْ ؛ لأجل أن تتقوا الله، وتجعلوا بينكم وبين سخطه وعذابه وقاية هي امتثال أمر الله واجتناب نهي الله، ولأجل أن ترحموا.
لعل هنا الظاهر فيها أنها تعليلية، لأنها معطوفة على موضعين من لام كي، لأن قوله: لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا كلتاهما لام كي فعطف لعل عليهما يدل على أنها للتعليل، وقد قال بعض علماء التفسير: كل لعل في القرآن ففيها معنى التعليل إلا التي في سورة الشعراء: وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ قالوا: هي بمعنى كأنكم تَخْلُدُونَ هكذا قالوا والله أعلم.
ولاشك أن لعل تأتي في القرآن للتعليل، وكذلك تأتي في كلام العرب. ومن إتيانها في القرآن ظاهرة في التعليل واضحة فيه وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ؛ أي أنعم عليكم بنعمة الأبصار والأفئدة لأجل أن تشكروا نعمه فتؤمنوا به. ومن إتيان لعل في كلام العرب بمعنى التعليل قول الشاعر:
فقلتـم لنا كفوا الحـروب لعلنــا
نكف ووثقتم لنـا كــل موثـــق
فقوله: كفوا الحروب لعلنا؛ أي كفوا الحروب لأجل أن نكف.
هذا معنى قوله: وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ هذا الذكر الذي أنزله الله عليكم على لسان رجل منكم لا عجب فيه، وإنما أنزل الله هذا الذي تعجبتم منه لصلاحكم، أولا: لأجل أن تتقوا الله لإنذار هذا النبي الكريم الذي هو منكم. الثاني: لِيُنْذِرَكُمْ يخوفكم عقاب الله، وتتقوا الله.
ولأجل أن يرحمكم الله برحمته الواسعة إذا أقلعتم عن الكفر واتقيتم الله، لأن رحمة الله وسعت كل شيء، ولكن الله بين من يكتب لهم رحمته في قوله: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ .
هؤلاء هم الذين يكتب الله لهم رحمته، ولذا قال نبي الله نوح لقومه: لا تعجبوا فهذا ليس محل عجب، وهذا أمر لا يعجب منه؛ لأن الله أنزل عليكم ذكرا على لسان رَجُلٍ مِنْكُمْ ؛ ليخوفكم من الله، من عبادة غيره، ولأجل أن تتقوا ربكم بما يعلمكم ويبلغكم عن الله، ولأجل أن يرحمكم الله، إن أنتم فعلتم ذلك، هذا معنى قوله: لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ .

line-bottom