إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) logo شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
shape
تفاسير سور من القرآن
87328 مشاهدة print word pdf
line-top
تفسير قوله تعالى: أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ

...............................................................................


... إن فلانا اشترى كذا وكذا من البساتين بكذا وبكذا من المال، اللهم إني أشتري إليك من بساتين الجنة بمثل اشترى، ثم أخذ قدر الثمن وتصدق به، ثم إن الكافر تزوج امرأة جميلة بارعة في الجمال، وبذل لها مهرا عظيما؛ فقال المؤمن: اللهم إن فلانا تزوج فلانة وبذل لها من المال كذا، اللهم إني أخطب إليك بقدر ذلك المال من الحور العين ثم تصدق به على الفقراء.
وهكذا إلى أن نفد ما عنده فجاء لصاحبه الكافر يريد أن يعمل أجيرا عنده فطرده ومنعه، وكان يراوده على رجوعه إلى الكفر؛ فدخل ذلك المؤمن الجنة وذلك الكافر النار.
فبعد العقاب كان ذلك المؤمن يتحدث مع إخوانه في نعيم الجنة فأخبرهم أنه كان له صاحب في دار الدنيا من أمره كيت وكيت، وقال لهم: انظروا معي في النار؛ لنعلم ما صار إليه، وننظر ماذا كان مصيره.
فقالوا له: لا حاجة لنا به ولا معرفة لنا به، وأنت إن شئت فانظر؛ فنظر في النار فرآه يتقلب في دركات الجحيم، (وقص الله قصته)، وهذا الذي ذكرنا الآن تفاصيله إسرائيليات تحكى ولا يعول عليها.
والصحيح الثابت هو ما نص عليه القرآن في سورة الصافات وهو قوله: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يعني في دار الدنيا يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ .
في قراءة أخرى أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصِّدِّقِينَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ أي مطلعون معي لننظر مصيره فَاطَّلَعَ ؛ أي فاطلع هو أي صاحبه المؤمن من الجنة إلى النار فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ .
وقصة هذا الرجل التي ذكرناها استطرادا تدل على المباعدة من قرين السوء؛ لأن هذا الرجل المؤمن الكريم حلف بالله، وهو في الجنة أن قرينه قرين السوء كاد أن يهلكه ويلقيه في النار؛ حيث قال: تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ؛ أي معك في النار.
ولذا قال جل وعلا: وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ .
اختلف في قائل هذا القول؛ فظاهر القرآن أنه من بقية كلام أصحاب الأعراف يوبخون رؤساء أهل النار، ويقولون لهم: أهؤلاء الضعفاء المساكين الذين كنتم تسخرون منهم في الدنيا، وتستهزئون بهم وتضحكون منهم، وتقولون: الله أعظم من أن يعبأ بهؤلاء، والله لا يدخلهم جنة ولا يدخلهم نعيما أبدا.
هؤلاء الضعفاء المساكين الذين كنتم تستهزئون بهم في الدنيا وتسخرون منهم وتقسمون، تحلفون بالله لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ماذا قال لهم الله؟ قال لهم: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ .
وعلى هذا فيكون أصحاب الأعراف قد وبخوا رؤساء الكفر والقادة بأنهم لم يغن عنهم تكبرهم في الدنيا وجمعهم، وأن الضعفاء المساكين الذين كانوا يسخرون منهم أحلهم الله دار كرامته، ونفى عنهم الخوف والحزن أبدا.
وقال بعض العلماء: أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ هي من كلام الله يوبخ بها الكفار، أو من كلام بعض الملائكة أمره بذلك، وأن قوله: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ راجعة إلى أصحاب الأعراف.

line-bottom