إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
تفاسير سور من القرآن
65334 مشاهدة
تفسير قوله تعالى: فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون

...............................................................................


فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ .
ذكرهم نبي الله هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، أمرهم أن يذكروا آلَاءَ اللَّهِ و آلَاءَ اللَّهِ نعمه المتواترة عليهم من الصحة والعافية وقوة الأبدان، وما يسر لهم من الأرزاق والرفاهية في الدنيا. والآلاء النعم، واحده إِلًى بكسر الهمزة وفتح اللام مقصورا كعنب وأعناب، ويقال فيه: إلو، وألو، وآلاء، وأكثرها في مفرد الآلاء إلى بكسر ففتح، والمراد به النعمة، والآلاء النعم.
فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ ؛ أي تذكروا نعم الله الكثيرة التي لا تحصى التي أنعمها عليكم ذكرا يحملكم على طاعة الله وتصديق رسوله وعبادته وحده، وترك عبادة الأصنام لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون والآية تدل على أن من تذكر نعم الله عليه ذكرا يحمله على شكر تلك النعمة، والخضوع لله، والإنابة إليه بطاعته أنه يفلح.
ولذا رتب على قوله: فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ قال: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون فإنكم إن ذكرتم آلَاءَ اللَّهِ يرجى لكم الفلاح بناء على أن لعل على بابها من الترجي بحسب ما يظهر لهود عليه الصلاة والسلام، وعلى أنها حرف تعليل، والمعنى: اذكروا نعمة الله لأجل أن تفلحوا.
وقد بينا مرارا أن العرب تقول: أفلح الرجل يفلح فلاحا، والفلاح اسم المصدر، والقياس في مصدرها إفلاحا، لأن المقرر في فن التصريف أن كل ماض جاء على وزن أفعل فالقياس في مصدره أن يكون إفعالا ما لم يكن معتل العين، فإن كان معتل العين سقطت العين بالاعتلال، وعوضت منها التاء على الرواية الكثيرة الفصيحة كما هو معروف في علم العربية موضح في فن التصريف.
فالفلاح اسم مصدر. والفلاح في لغة العرب يطلق على معنيين كما بيناه مرارا، يطلق الفلاح في لغة العرب على الفوز بالمطلوب الأكبر، تقول العرب: أفلح فلان إذا فاز بأعظم مطلوب كان يطلبه فمن نال رغبته، وحصل مطلوبه تقول له العرب: أفلح.
وهو معنى معروف في كلام العرب، منه قول لبيد بن ربيعة
فاعقلـي إن كنـت لمــا تعقلــي
ولقـد أفلــح مــن كـان عقـلْ
يعني من أعطاه الله نور العقل فاز بالمطلوب الأكبر، لأن العقل يعقله عما لا ينبغي، ويميز به بين الحسن والقبيح، والنافع والضار، والحق والباطل.
ويطلق الفلاح في لغة العرب أيضا على البقاء السرمدي الدائم في النعيم، تقول العرب: أفلح فلان إذا كان باقيا في نعيم سرمدي، وهذا معروف في كلام العرب. ومنه قوله لبيد بن ربيعة أيضا في رجزه:
لـو أن حيــا مــدرك الفــلاح
لنالــه ملاعـــب الـرمـــاح
فقوله: مدرك الفلاح؛ أي مدرك البقاء في الدنيا بلا موت. ومنه في هذا المعنى قول كعب بن زهير أو الأضبط بن قريع في الشعر المشهور:
لكـل هـم من الهمـوم ســعة
والمسي والصبح لا فــلاح معــه
يعني أنه لا بقاء في الدنيا مع تخالف الإمساء والإصباح.
وبهذين المعنيين الذين هما البقاء السرمدي في النعيم، والفوز بالمطلوب الأكبر. بكل واحد منهما جاء تفسير حديث الأذان والإقامة، بقوله: حي على الفلاح، فقال بعض العلماء: حي على الفلاح هلم إلى الفوز بالمطلوب الأكبر، وهو الجنة ورضا الله؛ لأن أعظم أسباب ذلك الصلاة.
القول الثاني: حي على الفلاح هلم إلى البقاء السرمدي في جنات النعيم؛ لأن أكبر أسباب ذلك الصلاة كما هو معروف في تفسير حديث الأذان والإقامة، وهذا معنى قوله: فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون هذه عادة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم بعظم التذكير، وشدة النصح، ولطافة الأسلوب، والاجتهاد في هدى قومهم، ولكن الهدى بيد الله، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا.