الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
تفاسير سور من القرآن
65326 مشاهدة
تفسير قوله تعالى: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ

...............................................................................


وكان رد الكفار متشابها لتشابه قلوبهم في الكفر؛ كما قال تعالى: تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ؛ فقوم نوح قالوا له: إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وقوم هود قالوا له: إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ .
والسفاهة فعالة من السفه، وأصل السفه في لغة العرب هو الخفة والطيش؛ فكل شيء خفيف طائش تسميه العرب سفها. وتقول العرب: تسفهت الريح الريشة إذا استخفتها فطارت بها كل مطار. وهذا معنى معروف في كلام العرب، ومنه قول الشاعر:
مشينا كما اهتزت رماح تسفهـت
أعاليها مر الريـاح النواســـم
معنى تسفهت أعاليها؛ أي استخفتها فهزتها، هذا أصل معنى السفه في لغة العرب. وهو في الاصطلاح المشهور هي خفة العقل وطيش الحلم؛ بحيث يكون السفيه لا يهتدي إلى مصالحه، ولا يعرف مضاره من مصالحه، لا يميز بين الضار والنافع ولا الحسن ولا القبيح؛ لخفة عقله وطيشه وعدم رجحاته.
ولذا كان السفيه يجب التحجير عليه، وجعل ماله تحت يد ولي يحفظ له ماله؛ لأن عقله الطائش وحلمه الخفيف يجعله يضيع ماله. والعلماء مختلفون في السفه الذي يحجر به على الرجل البالغ ويولى عليه في ماله؛ فكان مالك بن أنس رحمه الله وعامة أصحابه، ومن وافقه من العلماء -يرون أن السفه الذي يحجر به على السفيه في ماله، ويولى عليه غيره إنما هو السفه في خصوص المال؛ بحيث يكون طيش عقله وخفة حلمه في نفس التصرف المالي؛ بحيث يضيع عليه في المعاملات، ولا يحسن حفظه ولا التصرف فيه.
فمن كان عند مالك يحسن التصرف في المال ويحفظه، ولا يخدع بل هو عارف بوجوه التصرفات، وحفظ المال؛ فماله يدفع إليه عند مالك وأصحابه، ولا يسمى سفيها، ولو كان سكيرا شريبا للخمر مرتكبا للمعاصي.
وشارب الخمر إذا مـا زمـــرا
لما يلي مـن مالـه لـم يحجــرا
هذا مذهب مالك وأصحابه.
وذهب الشافعي في جماعة من العلماء إلى أن من كان يتعاطى المعاصي كالشريب السكير الذي يشرب الخمر ويتعاطى المعاصي -أنه سفيه لا يمكن من ماله أبدا حتى تصلح حاله الدينية مع حاله الدنيوية، قال: لأنه لا أحد أخف حلما وأطيش عقلا من الذي يتسبب في أن يحرق نفسه بالنار، فهذا خفيف العلم طائش العقل لا يعطى له ماله فهو السفيه بمعنى الكلمة. ترى هذا كلاما معروفا في فروع المذاهب مشهورا.
ولذا نسب قوم هود هودا إلى خفة العقل وطيشه قالوا: إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ ؛ أي في خفة عقل وطيش حلم، لأنك تدعونا إلى أن نترك ديننا ونذهب إلى دين آخر جديد ما نعرفه؛ فلا عقل عندك ولا حلم، بل أنت سفيه خفيف العقل طائش الحلم، هذا قولهم، لعنهم الله.
وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ .
نظنك كاذبا، لأنك بشر مثلنا فلا زيادة لك علينا، ولا فضل لك علينا؛ لأنا من عنصر واحد، آدميون جميعا، نشرب ونأكل جميعا؛ فما نظنك إلا كاذبا، وأنك سفيه خفيف العقل طائشه.