تفاسير سور من القرآن
إهلاك المكذبين من قوم نوح
...............................................................................
ثم أعاد الكلام فقال: رسم> فَكَذَّبُوهُ قرآن> رسم> لأنه ذكر أولا أنهم كذبوه تكذيبا شنيعا؛ حيث قالوا له: رسم> إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ قرآن> رسم> فلما أعاد عليهم الكلام، وبين لهم أن بعثه إليهم لا يستعجب منه، وأنه لصلاحهم؛ ليخوفهم من معاصي الله، وليتقوا الله فيرحمهم الله -عادوا إلى التكذيب، وقال الله هنا: رسم> فَكَذَّبُوهُ قرآن> رسم> عادوا إلى تكذيبهم الأول.
والظاهر أنه قال: رسم> فَكَذَّبُوهُ قرآن> رسم> ولم يذكر شناعة قولهم، لأنهم تمادوا على مثل قولهم الأول من التكذيب. رسم> إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ قرآن> رسم> رسم> فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ قرآن> رسم> ؛ يعني لما كذبوه. في الكلام اختصار صبر على أذاهم تسعمائة وخمسين سنة وهو يدعوهم إلى الإسلام صابرا على ما يلقى منهم من العذاب حتى إن ربه تعالى قنَّطه منهم.
وبين له أنه لا يؤمن منهم أحد أبدا كما قال: رسم> وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ قرآن> رسم> فتيقن نوح اسم> أنه لن يرجى منهم خير، وإنما فيهم الشر وتعذيب نوح اسم> وإهانته بما يناله منهم من السوء، وأنهم كلهم شر لا يرجى منهم خير أبدا ولا من نسلهم. بعد أن مكث فيهم هذا الزمان الطويل الذي بينه الله في العنكبوت في قوله: رسم> فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا قرآن> رسم> .
لما أعلمه الله أنهم لا يرجى لهم صلاح، ولا يرجى لهم خير، وأنه لا يؤمن منهم ولا من ذرياتهم أحد. لما حصل هذا اليأس عند ذلك دعا عليهم بقوله: رسم> لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا قرآن> رسم> رسم> دَيَّارًا قرآن> رسم> ؛ أي داخل دار أو عامر بيت فأهلكهم كلهم ثم قال: رسم> إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا قرآن> رسم> .
وإنما قال نوح اسم> رسم> وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا قرآن> رسم> ؛ لأن ربه أخبره بأنهم لا يؤمن منهم أحد في قوله في سورة هود: رسم> أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ قرآن> رسم> فلما دعا عليهم نوح اسم> وبين الله دعاءه عليهم في آيات كثيرة رسم> فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ قرآن> رسم> رسم> فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ قرآن> رسم> رسم> وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ قرآن> رسم> .
لما مكث فيهم هذا الزمان الطويل وهم يكذبونه ويؤذونه، وكانت امرأته خبيثة تدلهم على من أسلم من القليلين الذين أسلموا معه؛ فيعذبونهم ويهينونهم -أهلكها الله معهم وصارت مع الكافرين، ودخلت النار، والعياذ بالله.
وضربها الله مثلا مع امرأة لوط لمن يكون في صحبة أفاضل الناس، وخيار الأنبياء، ولا يكون في نفسه طيبا فلا ينتفع بتلك الصحبة الكريمة لخبث نفسه قال: رسم> ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ قرآن> رسم> .
ومعنى خانتاهما؛ أي بالكفر وإطلاع الكفار على أسرارهما، وليس المراد أنهما خانتا خيانة الزنا كما توهمه بعض الناس، وأن امرأة نوح خانته فزنت، واستدلوا بأن الله لما قال نوح اسم> رسم> رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ قرآن> رسم> ؛ فهذا غلط بل غلط عظيم فاحش.
والمحققون من أهل العلم أن الله أكرم مناصب الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه عليهم، وطهر فرشهم فلم تزن امرأة نبي قط. والولد الكافر الذي أغرق هو ابن نوح لاشك فيه؛ لأن الله وهو أصدق من يقول صرح بأنه ابنه؛ حيث قال: رسم> وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قرآن> رسم> .
وقول الله له: رسم> إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ قرآن> رسم> يعني بحذف الصفة من أهلك الموعود بنجاتهم وإركابهم في السفينة لقوله: لننجينك وأهلك؛ لأنه فارق دينكم، وكان كافرا.
فلما تطاول الزمن على نوح اسم> وهو يدعوهم فلا يزيدهم دعاءه إلا فرارا وبعدا عن الحق -دعا عليهم، فأجاب الله دعوته فأرسل السماء مدرارا، وفجر عيون الأرض فالتقى الماء من أعلى وأسفل حتى صار طوفانا غطى على الجبال. والدليل على أنه غمر الجبال أن نوحا اسم> لما قال لولده: رسم> يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قرآن> رسم> .
فقال الولد: رسم> سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قرآن> رسم> أجابه نوح اسم> فقال: رسم> لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ قرآن> رسم> فدل على أنه ليس هناك معتصم في الجبال، ولذا قال تعالى: رسم> فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ قرآن> رسم> فصار طوفانا جارفا أهلك جميع من على وجه الأرض من كل ما هو حي إلا من كان في تلك السفينة.كما قال تعالى: رسم> فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ قرآن> رسم> .
فأمر الله نبيه نوحا اسم> بأن يجعل تلك السفينة ويجعلها من نجارة، وكان ينجرها والأرض يبس، وهم يضحكون منه ويسخرون ويقولون: كنت نبيا فصرت نجارا، وهو يقول لهم: رسم> إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ قرآن> رسم> .
فلما قرب الوعد المحدد لإهلاكهم قيل لنوح اسم> اركب في السفينة واحمل فيها أهلك، رسم> وَمَنْ آمَنَ قرآن> رسم> معك، ثم قال: رسم> وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ قرآن> رسم> وأمر أن يأخذ من كل شيء من جميع الحيوانات زوجين؛ أي ذكرا وأنثى، لأن جميع من على وجه الأرض سيهلكه الطوفان، ولن يبقى إلا من في تلك السفينة.
فيكون كل جنس من أنواع الحيوانات موجود معه منه ذكر وأنثى ليتناسل ذلك الذكر بتلك الأنثى وينشأ منهما ذلك النوع من أنواع الحيوانات كما يأتي في قوله: رسم> قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ قرآن> رسم> وفي القراءة الأخرى: من كلٍّ زوجين اثنين.
أي ذكرا وأنثى ليقع منهما التناسل، وينتشر منهما ذلك النوع؛ لأن من على وجه الأرض سيهلكه ذلك الطوفان، وذلك يبين أن ذنوب بني آدم قد يهلك الله بها الجميع حتى الحيوانات. قال بعض العلماء: قد تهلك الحبارى في وكرها، والجعير في جحره بذنوب بني آدم.
مسألة>