القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
تفاسير سور من القرآن
62904 مشاهدة
تفسير قوله: وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ

...............................................................................


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يقول الله جل وعلا: وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ واذكر يا نبي الله خصائص هؤلاء اليهود العريقة في أسلافهم؛ ليعلم بذلك أن تكذيبهم لك وإنكارهم لما عندهم من صفاتك -أنه أمر أصله فيهم وفي أسلافهم.
واذكر إِذْ قِيلَ لَهُمُ حين قال لهم الله على ألسنة أنبيائه: اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ قوله: اسْكُنُوا أمر من السكنى لا من السكون الذي هو ضد الحركة؛ لأن الأمر بالسكون الذي هو ضد الحركة سجن وحبس؛ فهو أمر بالسكنى وأن يتخذ ذلك البلد مسكنا.
وكون البلد مسكنا له لا ينافي أن يتجول في أنحائه ويتنعم فيها؛ كما قاله ما بعد الأمر في قوله: اسْكُنُوا وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ هذا معنى قوله: وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ .
أكثر المفسرين على أن هذه القرية هي بيت المقدس وبعض المفسرين يقول: هي أريحا وبعضهم يقول غير ذلك؛ فهي قرية في فلسطين من قرى الشام ؛ لأن الشام كان يطلق أولا على ما يضم دمشق وفلسطين والأردن وغير ذلك من نواح. وهذا معنى قوله: وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ .
القرية هي المحل الذي يجتمع فيه السكان، من قريت الماء في الحوض إذا جمعته. وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا ؛ أي كُلُوا من ثمارها وحبوبها وزروعها حَيْثُ شِئْتُمْ ؛ لأنهم كانوا في التيه يتمنون الأكل من ذلك كما قدمنا في سورة البقرة في الكلام على قوله فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا وقد قال لهم: اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ .
ولما أمروا بدخول هذه القرية وبسكناها أمروا بالأكل من ذلك أمر إباحة وتكريم وَكُلُوا مِنْهَا ؛ أي من ثمارها وحبوبها وزروعها وغير ذلك.
وقوله حَيْثُ شِئْتُمْ أصل حيث في لغة العرب كلمة تدل على المكان كما تدل حين على الزمان ربما ضمنت معنى الشرط.
يجوزفي العربية لا في القراءة تثليث فائها وإبدال يائها واوا كما هو معروف في علم العربية.
قوله: شِئْتُمْ ؛ أي من أي مكان من هذه القرية أردتم أن تأكلوا من ثمارها وحبوبها؛ وهذا معنى قوله: وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وهذا الأكل رغدا بدليل ما تقدم في سورة البقرة: فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا .
وقوله وَقُولُوا حِطَّةٌ لما كان في التيه مات نبي الله هارون أولا، ثم مات موسى في التيه كما أطلق عليه المؤرخون. ثم إن خليفة موسى كان يوشع بن نون بن إفراييم بن يوسف هو الذي فتح الله عليه هذه القرية قرية الجبارين بيت المقدس أو أريحا وقيل غير ذلك.
لما فتح الله عليهم أمرهم أن يشكروا لله نعمته التي أنعمها عليهم؛ فأمرهم بقول وأمرهم بفعل.
أما الفعل فقد أمرهم بأن يدخلوا الْبَابَ سُجَّدًا ؛ أى يدخلوا من باب القرية التي فتحها الله لهم سُجَّدًا. قال بعض العلماء المراد بالسجود هنا الركوع تواضعا وانحناء وتعظيما لله وشكرا له على نعمة الفتح. وقال بعض العلماء هو السجود على الجبهة يسجدون.
ثم إنهم أمروا أيضا بقول وهو أن يدخلوا الباب وهم يقولون: حِطَّةٌ وأكثر المفسرين وهو ظاهر القرآن والأحاديث الصحيحة أنهم تعبدوا بهذه اللفظة: حِطَّةٌ حِطَّةٌ وقراءة الجمهور التي لا يجوز العدول عنها حِطَّةٌ بالرفع وهي خبر مبتدأ محذوف أي مسألتنا حطة.
والحطة فعلة من الحط الذي هو الوضع والمعنى مسألتنا لربنا هي حِطَّةٌ لذنوبنا وأوزارنا؛ معناه مسألتنا لك أن تحط عنا ذنوبنا وأوزارنا. هي كلمة استغفار تؤذن بحط الذنوب ووضع الأوزار وهو خبر مبتدأ محذوف فعلة من الحط بمعنى الوضع هذا معناه. وقال بعض العلماء الحطة الكلمة التي تحط الذنوب وهي لا إله إلا الله والقول الأول أظهر.
وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنهم أمروا بقول وأمروا بفعل. وأمرهم بالقول والفعل كلاهما مذكور في القرآن؛ لأن الله أمرهم بأن يدخلوا الْبَابَ سُجَّدًا وهو الفعل الذي أمروا به وأمرهم أن يقولوا حِطَّةٌ وهو القول الذي أمروا به، ففي حديث أبي هريرة عند البخاري وغيره؛ أنهم بدلوا القول الذي قيل لهم بقول غيره، وبدلوا الفعل الذي قيل لهم بفعل غيره؛ ولذا قال تعالى: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ .
قال بعض العلماء في الكلام حذفان؛ أي فبدل الذين ظلموا بالقول الذي قيل لهم قولا غير الذي قيل لهم وبالفعل الذي قيل لهم فعلا غير الذي قيل لهم. فالفعل الذي قيل لهم هو دخولهم الباب سجدا؛ بدلوه فدخلوا يزحفون على أستاههم؛ كما ثبت في حديث البخاري المذكور. وبدلوا القول الذي قيل لهم فقالوا مكان حِطَّةٌ حبة في شعرة وفي بعض روايات الحديث في غير البخاري حنطة في شعرة ؛ فبدلوا القول وبدلوا الفعل. وقابلوا نعم الله بالكفران والمعصية في الأقوال والأفعال عياذا بالله، وهذا معنى قوله: وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا .