الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
تفاسير سور من القرآن
64581 مشاهدة
كفر من غيَّر حكم الله

...............................................................................


وهذه الآية الكريمة قبل أن نشرع في تفسيرها نشير إلى أن فيها حكما يجب على كل مسلم أن يعتبر به وينظره؛ لأن هؤلاء القوم كفار كانوا يسجدون للأصنام، فلما أحل لهم رجل شيئا حرمه الله، وحرم عليهم شيئا أحله الله، وهم يعلمون أن الله حرم تلك الأشهر الحرم، ولا يشكون في ذلك، وأن هذا الرجل الكناني أحل لهم ما حرمه الله، وحرم عليهم ما أحله الله؛ فاتبعوا تحريم هذا الإنسان؛ فصرح الله بأن هذا كفر جديد ازدادوه إلى كفرهم الأول .
فهذه الآية الكريمة من سورة براءة من أصرح النصوص القرآنية في أن كل من اتبع نظاما غير نظام الله، وتشريعا غير تشريع الله، وقانونا غير قانون الله -أنه كافر بالله؛ إن كان يزعم الإيمان فقد كفر، وإن كان كافرا فقد ازداد كفرا جديدا إلى كفره الأول.
والآيات الدالة على هذا المعنى لا تكاد تحصيها في هذا المصحف الكريم، الذي هو أعظم كتاب أنزله الله من السماء إلى الأرض، وهو آخر كتاب أنزله الله على أكرم نبي وآخر نبي، جمع فيه له علوم الأولين والآخرين، وسنقول لكم طرفا من ذلك كما ذكرناه قبل هذا مرارا. نبين فيه أن الحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله.
وأن كل من اتبع نظاما وتشريعا وقانونا، ولو سماه ما سماه غير ما أنزله الله في وحيه على نبيه صلى الله عليه وسلم أنه كافر بذلك؛ فإن كان كافرا قبله ازداد كفرا جديدا إلى كفره الأول، وإن كان يزعم الإيمان فقد جاء بما يكفر به.
ومن أصرح الأدلة في هذا المناظرة العظيمة المشهورة التي وقعت بين الكفار والمسلمين في حكم من أحكام الحلال والحرام؛ فالمسلمون يقولون: إن هذا الأمر حرام، ويستدلون بنص من نصوص الوحي، وحزب الشيطان وتلامذته وأتباعه يقولون: إن هذا الحكم حلال، ويستدلون على ذلك بفلسفة من وحي الشيطان، ويأتي كل منهم بدليله؛ فلما تحاجوا وتخاصموا، وحصل الجدال بينهم في ذلك، أفتى الله تعالى بنفسه فتوى سماوية تتلى علينا قرآنا في سورة الأنعام.
وإيضاح هذا أن الشيطان لعنه الله جاء كفار قريش، وقال لهم: سلوا محمدا صلى الله عليه وسلم عن الشاة تصبح ميتة، من هو الذي قتلها؟ فأجابهم: الله قتلها. فقالوا: إذن ما ذبحتموه بأيديكم حلال، وما ذبحه الله بيده الكريمة بسكين من ذهب تقولون: هو حرام؟ فأنتم إذن أحسن من الله؟!!
فأنزل الله في ذلك بإجماع العلماء في سورة الأنعام هذه الفتوى السماوية، بعد أن بين الله خصام المتخاصمين فيها، فقال: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ الميتة، وإن زعم حزب الشيطان أنها ذبيحة الله، وأن ما قتله الله أحل مما قتله الناس.
ثم قال: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ الضمير في قوله: وَإِنَّهُ راجع إلى المصدر الكامن في جوف الفعل الصناعي، في قوله: تَأْكُلُوا ؛ أي وَإِنَّهُ ؛ أي الأكل من الميتة لَفِسْقٌ ؛ أي خروج عن طاعة الله، وإن زعم حزب الشيطان أنها ذبيحة الله، وأن ما قتله الله أحل وأطهر مما قتله الناس.
ثم قال: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ وحي شيطان؛ لِيُجَادِلُوكُمْ بالوحي الشيطاني، وهو قولهم: ما ذبحتموه حلال وما قتله الله حرام، فأنتم إذن أحسن من الله!!. ثم أفتى الله الفتوى السماوية التي تتردد في آذان الخلق مساء وصباحا بقوله: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ وإن أطعتم أتباع الشيطان في تحليل ما حرمه الله إنكم لمشركون بالله شركا أكبر.
كما قال في هؤلاء : إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ وهذا الشرك شرك أكبر مخرج عن الملة؛ لأنه شرك طاعة، وشرك الطاعة شرك في الحكم، والشرك في الحكم كالشرك في العبادة لا فرق بينهما البتة؛ لأن الله هو الملك الجبار العظيم الأعظم، لا يرضى أن يكون معه شريك في عبادته، ولا أن يكون معه شريك في حكمه.
سبحانه جل وعلا أن يكون له شريك في عبادته أو شريك في حكمه، وقد بين هذين الأمرين في سورة واحدة من كتابه، وهي سورة الكهف؛ فقال في الإشراك به في عبادته: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا وقال في الإشراك به في حكمه: لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا .
فمن اتخذ تشريعا غير تشريع الله، واتبع نظاما غير نظام الله، وقانونا غير ما شرعه الله، سواء سماه نظاما أو دستورا أو سماه ما سماه؛ فهو كافر بالله؛ لأنه يقدم ما شرعه الشيطان على ألسنة أوليائه مما جمع من زبالات أذهان الكفرة على نور السماء الذي أنزله الله جل وعلا على رسله؛ ليستضاء به في أرضه، وفي شرفه عدالته وطمأنينته ورخاؤه في الأرض، وهذا مما لا نزاع فيه.
وهذا الشرك الذي هو شرك اتباع؛ اتباع قانون ونظام وتشريع -هو الذي يوبخ الله مرتكبه يوم القيامة على رءوس الأشهاد في سورة يس، في قوله تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ما عبدوا الشيطان بأن سجدوا للشيطان ولا ركعوا للشيطان، ولا صاموا له ولا صلوا، وإنما عبادتهم للشيطان هي اتباع ما سن لهم من النظم والقوانين من الكفر بالله ومعاصي الله.
ثم قال: وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ؛ أي خلائق كثيرة لا تحصى، ثم وبخ عقولهم؛ فقال: أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ثم ذكر المصير النهائي للذي كان يتبع نظام إبليس وقانون الشيطان في دار الدنيا -ذكر مصيره النهائي في قوله: هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ الآيات .
وهذا هو معنى قول إبراهيم يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ؛ أي لا تتبع ما شرع لك الشيطان، وسماه من الكفر بالله ومعاصي الله. وهو معنى قوله: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا ؛ أي ما يدعون إلا الشيطان، وهو دعاء عبادة باتباع نظامه وتشريعه.
وهو أصح الوجهين في قوله جل وعلا في الملائكة: أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ؛ لأن الملائكة قالوا: بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ؛ أي يتبعون الشياطين ويعبدونهم باقتفاء ما يسنون لهم من القوانين والنظم، وهذا أمر لا نزاع فيه.
فكل من يتبع نظام أحد وتشريع أحد وقانونه فهو متخذه ربا؛ ولذا جاء في الحديث المشهور عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في عنق عدي صليب ، فقال له النبي: يا عدي ألق هذا الوثن من عنقك. وصادفه يقرأ سورة براءة هذه، سمعه يقول: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وكان عدي نصرانيا في الجاهلية، فقال: ما كنا نتخذهم أربابا، -فأجابه النبي بما معناه- ألم يحلوا لكم ما حرم الله، ويحرموا عليكم ما أحل الله فتتبعوهم؟ قال: بلى، قال: تلك عبادتهم، وبذلك اتخذتموهم أربابا .
فهذه الآيات الكريمة تدل على أن كل من يتبع نظاما غير نظام الله، وإن سماه قانونا أو دستورا، أو سماه ما سماه؛ فهو كافر بالله. ولو كان كافرا قبل ذلك، وارتكب شيئا يعلم أن الله حرمه فحلل ما يعلم أن الله حرمه، أو حرم ما يعلم أن الله حلله؛ فإنه، ولو كان كافرا قبل هذا -يزداد بذلك كفرا جديدا إلى كفره الأول؛ كما قال هنا: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ .
وهذا معروف لا نزاع فيه بين العلماء؛ فالحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله. ولا تشريع إلا لله؛ لأن التشريع والأمر والنهي لا يكون إلا للسلطة التي ليس فوقها شيء، والله جل وعلا هو خالق هذا الخلق، وخالق النعم التي أنعم بها عليه؛ فهو الملك؛ فلا يرضى أن يأمر فيه غيره وينهى بل الأمر له وحده، والنهي له وحده، والتشريع له وحده؛ فكل مشرع دونه ضال، وكل متبع تشريعا غير تشريعه فهو كافر به جل وعلا.
وقد بين الله جل وعلا في آيات كثيرة هذا المعنى، فكان قوم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أرادوا أن يتحاكموا إلى غير شرع الله، وادعوا أنهم مؤمنون؛ فعجب الله نبيه من كذب دعواهم، وأن دعواهم الإيمان لا تصح بوجه من الوجوه مع إرادتهم التحاكم لغير الله.
ذلك في قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا فعجبه من دعواهم الإيمان، وهم يريدون التحاكم إلى غير ما شرعه الله، وهذا لا يخفى .
وأقسم الله جل وعلا في آية من كتابه أنه لا يؤمن أحد حتى يكون متبعا في قرارة نفسه لما جاء به سيد الرسل محمد صلوات الله وسلامه عليه، وذلك في قوله: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا .
هذا قسم من الله أقسم به فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ؛ فما ظنكم في الذين يحكمون فيما شجر بينهم قانون نابليون وما جرى بعده من زبالات أذهان الكفرة؟!!
ألا ترون أن الله أقسم في هذه الآية من سورة النساء -أنهم لا يؤمنون، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ؛ فعلى كل مسلم أن يعلم أن الحاكم هو الله، وأن الحكم لله وحده، وأنه لا يحل إلا الله، ولا يحرم إلا الله، فلا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا دين إلا ما شرعه الله .
فما عمت به البلوى من انصراف جل من في المعمورة عن نور السماء الذي أنزله الله على سيد خلقه وأعظم رسله؛ موضحا له في أعظم كتاب أنزله من سمائه إلى أرضه -منصرفين عن هذا، مع وضوح أدلته، وقيام براهينه، وصيانته لمقومات الناس؛ لأن القرآن العظيم، والسنة النبوية المبينة له جاء فيهما غاية الحفاظ على جميع مقومات الإنسان في دار الدنيا والآخرة، ولا سيما الجواهر الستة، التي يدور عليها نظام العالم في الدنيا ونظام العدالة والجور فيه.
وهذه الأمور الستة لا يوجد شيء أشد محافظة عليها، مما جاء به سيد الخلق محمد صلوات الله وسلامه عليه. ونعني بهذه الستة التي أشرنا إليها المحافظة على الدين السماوي، الذي هو صلة بين السماء والأرض وبين الله وخلقه. ثم المحافظة على الأنفس من القتل والإزهاق، ثم المحافظة على الأنساب من الضياع والاختلاط وتقذير الفرش.
ثم المحافظة على العقول من الضياع؛ لأن العقول إذا ضاعت صار المجتمع حيوانا يضرب بعضه بعضا، ثم المحافظة على الأموال، ثم المحافظة على الأعراض؛ فدين الإسلام جاء بأعظم حياطة وصيانة للدين، وحياطة وصيانة للنفس، وحياطة وصيانة للعقل، وحياطة وصيانة للنسب، وحياطة وصيانة للمال، وحياطة وصيانة للعرض. وستأتي هذه الأشياء في هذه الدروس كل في محله. وقد قدمنا ما جاء منها.
فهذا دين الإسلام الذي بين الله فيه كل شيء، وحافظ فيه على جميع المقومات، وأعطى فيه الأجسام حقوقها والأرواح حقوقها، وأرشد الإنسان إلى عمل مزدوج يقوم به الإنسان معاونا جسمه روحه وروحه جسمه؛ لأن من أخل بناحية الجسم أهمل، ومن أخل بناحية الروح فهو أضيع وأضيع.
فعلينا جميعا أن نعلم أنه لا بد من اتباع شرع الله ودين الله، وأن من طلب تشريعا وتحليلا وتحريما في غير ما شرعه الله فهو ليس على دين الإسلام، أحرى أن يكون من المؤمنين الذين يقولون: إن الله ينصرهم، وأنهم معهم، وهم أعداؤه!!
وقد بين الله في القرآن أن الذي له التحريم والتحليل، والأمر والنهي لا يكون إلا له صفات ليست كصفات خلقه؛ بل صفاته مميزة عظيمة لائقة به، دالة على أنه هو الذي يأمر وينهى، ويحلل ويحرم؛ كقوله تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ .
وكأنه قال: أتريدون أن تعرفوا صفات من يكون له الحكم في الأشياء؟ ولا يصدر في حكم إلا عنه؛ ما هي؟ ثم بينها بقوله: ذلكم الله رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أنيب .
ثم بين صفات من له الحكم وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أنيب فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ .
هذه صفات من له الحكم، أما الكفرة الفجرة الخنازير أبناء الكلاب، فليس لهم أن يحكموا في بلاد الله، ولا في عباد الله، ويحرموا ما شاءوا، ويحللوا ما شاءوا. فمتبعهم هو أعمى الناس بصيرة، وأضلهم سبيلا :
خفافيـش أعماهـا النهار بضوئه
ووافقهـا قطع مـن الليـل مظلم
والله جل وعلا يقول: وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ الذي له الحكم هو العلي الكبير الذي علوه وعظمته فوق كل شيء، وهو أعظم من كل شيء، وأكبر من كل شيء. ويقول جل وعلا: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فلا يكون الحكم إلا لمن لا يهلك، ولمن كل شيء هالك إلا وجهه؛ هذه صفات من له الحكم.
ويقول جل وعلا: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ثم بين صفات من له الحكم؛ فقال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ إلى آخر الآيات.
فالحكم لا يكون إلا للعظيم الأعظم الذي هو الخالق لكل شيء، الرازق لكل شيء، الفاعل ما يشاء في كل شيء. هذا الذي يتبع تشريعه، ويحل ما أحل، ويحرم ما حرم.
أما القوانين والنظم الملتقطة من زبالات أذهان الكفرة الفجرة؛ فلا يتبعوها ويعتقدوها، ويحكموها في أموال المجتمع وعقوله وأنسابه وأديانه وأعراضه، إلا من أعمى الله بصائرهم. ومن أعمى الله بصيرته فلا حيل له، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُور أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى لا. ليس كمثله.