اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
تفاسير سور من القرآن
64594 مشاهدة
معنى قوله: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ

...............................................................................


ثم قال: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الرحمة صفة من صفات الله، اشتق لنفسه منها اسمه الرحمن واسمه الرحيم.
وهي صفة كريمة من صفات الله، تظهر آثارها في من شاء أن يرحمه من خلقه. اشتق من هذه الصفة لنفسه اسمه الرحمن واسمه الرحيم، ونحن نثبت لله ما أثبته لنفسه على أكمل الوجوه وأنزهها وأقدسها وأليقها لله وأبعدها عن مشابهة صفات المخلوقين.
قوله: قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ المحسنون جمع تصحيح للمحسن، والمحسن اسم فاعل الإحسان، والإحسان مصدر أحسن العمل يحسنه إحسانا إذا جاء به حسنا، والإحسان هو الذي خلق الله الخلائق من أجل الاختبار فيه؛ إحسان العمل.
كما قال جل وعلا في أول سورة هود: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فبين أن الحكمة في الخلق ابتلاؤه الخلق أيهم أحسن عملا؟ ولم يقل: أيهم أكثر عملا.
قال في أول سورة الكهف: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا ثم بين الحكمة فقال : لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا قال في أول سورة الملك: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ثم بين الحكمة فقال: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا والإحسان الذي خلقنا من أجل الابتلاء فيه -قد أراد جبريل عليه السلام أن ينبه المسلمين إلى الطريق التي يصح بها الإحسان الذي خلقوا من أجله؛ فجاء للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور في صفة أعرابي.
وسأله عن الإيمان والإسلام، وقال له: يا محمد صلوات الله وسلامه عليه، أخبرني عن الإحسان؛ أي وهو الذي خلقتم من أجل الاختبار فيه، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن إحسان العمل لا يكون إلا بالواعظ الأكبر والزاجر الأعظم وهو مراقبة الله وعلم العبد أنه كأنه ينظر إلى الله جل وعلا، وأنه إن كان لم ير الله فالله جل وعلا يراه .
فمن علم أنه بين يدي ملك السماوات والأرض الجبار العظيم الأعظم، وأن الله يراه أحسن عمله لأن الإنسان –ولله المثل الأعلى- إذا كان أمام ملك جبار من ملوك الدنيا شديد البطش على من لم يمتثل أمره، وأمره بعمل وهو حاضر ينظر إليه؛ لابد أن يجد ويحسن ذلك العمل على أكمل الوجوه.
فعلى المؤمن أن يستشعر أنه بين يدي خالق السماوات والأرض وأن الله يراه، وأنه ليس بغائب عنه؛ فإذا لاحظ هذا ملاحظة صحيحة أحسن العمل؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم مجيبا لجبريل في قوله: أخبرني عن الإحسان -قال صلى الله عليه وسلم: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ؛ لأن من لاحظ هذه الموعظة وهذه المراقبة أحسن عمله.
وفي هذه الآية الكريمة من سورة الأعراف سؤال عربي مشهور عند علماء التفسير وهو أنه قال: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ ثم قال: قَرِيبٌ بصيغة التذكير، ولم يقل: قريبة. يقولون: الرحمة كأن لفظها مؤنث؛ فلما لم يقل إن رحمة الله قريبة من المحسنين؟ بل قال: قَرِيبٌ .
وللعلماء عن هذا السؤال العربي أجوبة تزيد على العشرة، كما هي معروفة في علوم التفسير وبعض العلوم العربية، نذكر منها بعضا فيه الكفاية. منها: أن الرحمة مصدر بمعنى الرُّحْم، والمصدر مذكر معنى، فمعنى إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ ؛ أي إن رُحْمه بعبده قَرِيبٌ ؛ فذكره نظرا لمعنى الرحمة؛ لأن معناها المصدر بمعنى الرُّحْم.
قال بعض العلماء: رَحْمَةَ اللَّهِ هنا يعني أنه يرحم العبد بالثواب؛ فيكون المعنى إن ثواب الله الناشئ عن رحمته بعبده قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ .
الوجه الثالث: هو ما قرره بعض علماء العربية أن القرب نوعان: قرب في النسب، وقرب في المسافة المكانية وفي الزمانية. أما قرب النسب فالمؤنثة فيه يلزمها التاء بلا خلاف بين علماء العربية، فتقول: هذه المرأة قريبتي تعني في النسب، ولا يجوز أن تقول: قريبي بلا تاء؛ فالقرابة في النسب يلزم فيها تاء الفرق بين الذكر والأنثى؛ فلا يجوز ـ قولا واحداـ أن تقول: هذه المرأة قريب مني في النسب، بل يلزم أن تقول: قريبة مني في النسب بالتاء.
أما إن كان القرب قرب مكان أو زمان فيجوز في المؤنثة التأنيث والتذكير، فتقول: هذه المرأة قريب مني تعني في المسافة لا في النسب، ودارها قريب من داري. وإن شئت قلت: قريبة من داري، والكل مسموع في كلام العرب، فتقول: دار زيد قريب من دار عمرو، ودار زيد قريبة من دار عمرو، وهذه المرأة الفلانية قريب من فلان، تعني في المسافة، وقريبة منه تعني في المسافة.
والكل مسموع موجود في كلام العرب، فمن إدخال التاء على قرابة المسافة قول عروة بن حزام
عشية لا عفـراء منـي قـريبــة
فتدنو ولا عفـراء منـك بعيـــد
فقال: قريبة بالتاء، وهو قرب مسافة.
ومن تجريد القريبة من التاء في المسافة قول امرئ القيس
له الويـل إن أمسـى ولا أم هاشـم
قريب ولا البسباسـة ابنـة يشكـرا
فقال: أم هاشم قريب يعني في المسافة، ومن هذا المعنى قوله تعالى : وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ؛ أي في الزمان، ولم يقل: قريبة. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا .
قال بعض أهل العلم: وجه تذكير الرحمة إضافتها إلى الله جل وعلا، وقال بعضهم: وجه تذكيرها لأنها نعت لموصوف محذوف إن رحمة الله شيء قريب من المحسنين، والذين يقولون : إن رحمة الله هي رحمته لعبده في الآخرة يقولون: إن الإنسان كل يوم يقرب من الآخرة ويبعد من الدنيا؛ لأن ما أمامك قريب، وما وراءك بعيد كما قال الحطيئة أو غيره :
لعمرك مـا السعـادة جمع مــال
ولكن التقــي هــو السعيـــد
وما لا بـد أن يــأتـي قـريـب
ولكن الــذي يمضــي بعيـــد
فكأن الإنسان كل يوم يقرب من الآخرة ويبعد من الدنيا؛ لأن ما يستقبله الإنسان يتقرب إليه دائما، وما يستدبره يتباعد منه دائما.
والآخرة قريب جدا كما قال: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ هذا معنى قوله: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ والذين يقولون: إن رحمة الله قريبة من عباده المحسنين لحصولها لهم في الدنيا والآخرة؛ لأنه في الدنيا يرحمهم بالتوفيق إلى الأعمال الصالحة وبالعمل بما يرضيه كما قال جل وعلا: إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا .
فبين أنه بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا يرحمهم في الدنيا بما ييسر لهم من التوفيق إلى ما يرضيه، ويرحمهم في الآخرة بالإدخال في دار كرامته، وهذا معنى قوله: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ .