إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
shape
تفسير سورة الكهف
44728 مشاهدة print word pdf
line-top
قصة السفينة

فأولها: السفينة، يقول الله تعالى: فَانْطَلَقَا يعني: صار موسى والخضر ولم يذكر الفتى؛ لأنه تابع لموسى فيعتبر كأنه تبع موسى، انطلق موسى والخضر
حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ مرا بسفينة، فطلبا أن يركباها، أهل السفينة يعرفون الخضر فلما عرفوا الخضر أركبوهما بغير أجرة، بغير نَوْلٍ، لم يطلبوا منهما نولا ولا عطاء، وهذا دليل على أن هناك من يعرف الخضر ويعترف بفضله، ويعترف بعلمه، وأن أهل تلك السفينة من المسلمين المتبعين للخضر الذين على دينه، وعلى طريقته؛ فلهذا عرفوه، فأركبوه بغير نول، ولما أركبوه رق لهما، وخاف أنهما يُسْلَبان هذه السفينة، فلما ركبا في السفينة، كان مع الخضر فأس، فعمد إلى لوح من ألواح السفينة، فخرق ذلك اللوح، كسره، وأزاله عن موضعه، وجعله في موضع آخر؛ ليكون عيبا ظاهرا في هذه السفينة.
فلما رأى موسى ذلك منه تعجب، أن هؤلاء حملونا بغير أجرة، وعمدت إلى سفينتهم فأفسدتها، وجعلت فيها هذا الخرق لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا أي: شيئا غريبا، حيث عمدت إليها؛ لتفسدها، وتغرق أهلها، لأن العادة أن السفينة تجري في لجة البحر، وأنه إذا كان فيها خرق فقد تأتي إلى مكان عميق فيه أمواج، وفيه اضطرابات، ثم إن تلك الأمواج قد ترفع الماء إلى ذلك الخرق فيدخل في وسط السفينة، وإذا دخل فيها، وامتلأت من الماء رسبت، غرقت، وغاصت إلى أسفل الماء وإلى لجته؛ فيغرق أهلها، وتغرق البضائع والأمتعة التي فيها؛ فتكون أنت السبب، لأنها كانت قبل ذلك سفينة صالحة.
ولما عجل موسى بالإنكار قبل أن يسأله ذكره بتلك المقالة التي اشترطه عليه، بقوله: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا يقول: أما تذكر أنني ذكرتك، وقلت لك: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا فهذا تسرعك، وهذا أمرك، وهذا من عجبك، وإنكارك لشيء لا تعرفه؛ فأنا أعرف السبب، وأنت لا تعرفه، فذكره بذلك.
ولما ذكره تذكر موسى تلك الكلمة، واعتبر هذا نسيانا منه، وغفلة عن تلك الجملة التي أخذها عليه، واشترط عليه، فقال: لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ فقد نسيت شرطك علي، وغفلت عن ما طلبت مني، نسيت شرطك؛ فاعف عني.
لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ولا تكلفني مشقة لا أتحمل الصبر معها، وتطردني بذلك وتردعني، فعند ذلك عذره الخضر ولكن لم يبين له أمر خرق السفينة إلا فيما بعد.

line-bottom