إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
104166 مشاهدة
صفة خلق الملائكة وعظم خلقهم وكثرتهم وعبادتهم

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى- قال جعفر وحدثنا سلمة قال: حدثنا أبو المغيرة قال: حدثني الأوزاعي قال: قال موسى عليه السلام: يا رب من معك في السماء؟ قال: ملائكتي. قال: وكم هم يا رب؟ قال: اثنا عشر سبطا قال: وكم عدد كل سبط قال: عدد التراب.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال: حدثنا معاذ بن خالد عن زهير عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن كعب عن يوسف بن عبد السلام بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما قال: إن الله عز وجل خلق الملائكة فاستووا على أقدامهم رافعي رءوسهم فقالوا ربنا مع من أنت؟ قال: مع المظلوم حتى يؤدى إليه ظلامته.
قال: حدثنا محمد بن العباس بن أيوب قال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا سفيان الثوري قال: حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن كعب -رحمه الله تعالى- قال: ما من شجرة ولا موضع إبرة إلا وملك موكل بها يرفع علم ذلك إلى الله تبارك وتعالى وإن ملائكة السماء أكثر من عدد التراب وإن حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى منكبه مسيرة خمسمائة عام.
قال: حدثنا بنان بن أحمد القطان قال: حدثنا عبيد بن جناد الحلبي قال: حدثنا إبراهيم بن حميد الرواسي عن الأعمش عن يزيد عن عبد الله بن الحارث -رحمه الله تعالى- قال: ما من شجرة رطبة ولا يابسة إلا موكل بها ملك يأتي الله عز وجل بعلمها ورطوبتها إذا رطبت ويبسها إذا يبست كل يوم قال الأعمش -رحمه الله تعالى- وهذا في الكتاب وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ .
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا جميل بن عبد الرحمن قال: حدثنا رسوف قال: حدثنا عبد الغفار بن الحسن أبو حازم عن إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس من خلق الله أكثر من الملائكة ما من شيء ينبت إلا وملك موكل بها .
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا أحمد بن عبد العزيز بنابلس قال: حدثنا ضمرة عن إسماعيل بن عياش قال: حدثني صفوان بن عمرو عن أبي الزاهرية عن كعب -رحمه الله تعالى- قال: لا تقطر عين ملك منهم إلا كانت ملكا يطير من خشية الله عز وجل. قال صفوان وزاد فيه غيره وذلك أنها نطفة خشية وليست نطفة شهوة فمن هنالك كثرت الملائكة.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد عن أبي عمير الرملي قال: حدثنا ضمرة عن العلاء بن هارون قال: لجبريل عليه السلام في كل يوم اغتماسة في الكوثر ثم ينتفض فكل قطرة يخلق منها ملك. قال: حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا عمر بن هارون عن عبد الجليل بن عطية القيسي عن شهر بن حوشب -رحمه الله تعالى- قال: إن لله تبارك وتعالى ملكا يقال له صدلقن إن بحور الدنيا تسعى في نقرة إبهامه.
قال: حدثنا جعفر قال: سمعت مالكا يقول: بلغنا أن في بعض السماوات ملائكة كلما سبح بينهم ملك وقع من تسبيحه ملك قائم يسبح. قال: وفي بعض السماوات ملك له من العيون عدد الحصى والثرى وعدد نجوم السماء ما فيها عين إلا وتحتها لسان وشفتان يحمد الله عز وجل بلغة لا يفقهها صاحبها. قال: وإن حملة العرش لهم قرون بين أطراف قرونهم ورءوسهم مقدار خمسمائة سنة والعرش فوق القرون.
قال: حدثنا جعفر قال: حدثنا ابن أبي زائدة قال: حدثنا سيار عن جعفر قال: حدثنا سعيد الجريري قال: حدثنا من جلس إلى نوف البكالي فسمعه يقول: إذا مضى ثلث الليل بعث الله تبارك وتعالى أربعة أفواج من الملائكة فأخذ فوج منهم بشرقي السماء وفوج منهم بغربي السماء وفوج حيث تجيء الجنوب وفوج منهم حيث تجيء الشمال فقال هؤلاء سبحان الله وقال هؤلاء الحمد لله وقال هؤلاء لا إله الا الله وقال هؤلاء الله أكبر حتى تصرخ الديوك من السحر.
قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن داود قال: حدثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم قال: حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا ثور بن يزيد قال: حدثنا خالد بن معدان عن معاذ بن جبل والعرباض بن سارية -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لله عز وجل ملكا نصفه من نور ونصفه من ثلج يسبح يقول: سبحانك يا مؤلف الثلج إلى النور ولا يطفئ النور برد الثلج ولا برد الثلج حر النور ألف بين قلوب عبادك المؤمنين .
قال: حدثنا محمد بن سهل قال: حدثنا سلمة بن شبيب قال: حدثنا إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة -رحمه الله تعالى- قال: إن في السماء ملكا يقال له إسماعيل لو أذن له ففتح أذنا من آذانه فسبح الرحمن لمات من في السماوات ومن في الأرض.
قال: حدثنا محمد بن سهل قال: حدثنا سلمة قال: حدثنا زيد قال: حدثنا عنبسة بن سعيد قاضي أهل الري عن جعفر بن أبي المغيرة عن شمر بن عطية عن كعب الأحبار -رحمه الله تعالى- قال: إن لله عز وجل ملكا يصوغ حلي أهل الجنة من يوم خلق إلى أن تقوم الساعة لو أن حليا أخرج من حلي أهل الجنة لذهب بضوء الشمس.
قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن زكريا قال: حدثنا سلمة قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثني معتمر أبو الحكم الباهلي عن قتادة -رحمه الله تعالى- قال: من رأى خلقا من خلقه فتوسم فيه حتى ينزل الجبار تبارك وتعالى قال: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ تحمله الملائكة على كواهلها بأيد وعزة وحسن وجمال حتى إذا جلس على كرسيه نادى تعالى به: لمن الملك اليوم؟ فلم يجبه أحد فعطفها على نفسه تبارك وتعالى فقال: لله الواحد القهار اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب.
قال: حدثني عبد الله بن سلم عن أحمد بن محمد بن غالب قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن العلاء قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال: حدثني عبد الصمد عن وهب -رحمه الله تعالى- قال: ثم إن الله عز وجل أراد أن يخلق حملة العرش فقال كن فكون من الملائكة بعدد القطر والمطر والشجر والورق وكل رطب ويابس في بر أو بحر ولم يكن هنالك قطر ولا مطر ولا شجر ولا ورق ولا رطب ولا يابس ولا سماء ولا أرض ولا خلق مخلوق ولا أجل معدود ولا رزق يقوت ولا شمس ولا قمر ولا نجم يزهر ولا ليل داج ولا نهار ذات أبراج ولكن كان في علمه المحيط أن سيخلق ذلك كله بما جرى في اللوح وكتبه القلم وملائكة متراصة أقدامهم متلازقة أكتافهم مصطكة مناكبهم.
ثم قال لهم: أقلوا العرش فما قدروا على إقلاله ثم قال: كن فأمدهم بصف ثان أمثالهم سبعة أضعاف في الشدة والقوة والنجدة والشجاعة والغلظة والعظمة ملائكة متراصة أقدامهم مصطكة مناكبهم متلازقة أقدامهم ثم قال لهم: أقلوا العرش فما قدروا على إقلاله، ثم قال لهم: كن فأمدهم بصف أمثالهم سبعة متلازقة أكتافهم أنصافهم الأعلى من النار وأنصافهم الأسفل من الثلج، فلا ذلك النار يذيب الثلج بحره ولا ذلك الثلج يطفئ النار ببرده، ثم قال لهم: أقلوا العرش فما قدروا على إقلاله.
ثم قال: كن فأمدهم بصف رابع أمثالهم سبعة أضعاف ملائكة أنصافهم من البرق الخاطف وأنصافهم من الرعد القاصف، ثم قال لهم: أقلوا العرش فما قدروا على إقلاله فأمدهم بصف خامس ملائكة أنصافهم من الريح العاصف وأنصافهم من السحاب العاكف، فلا ذلك العاصف يزيل ذلك العاكف ولا ذلك العاكف يزيل ذلك العاصف.
ثم قال لهم: أقلوا العرش فما قدروا على إقلاله ثم أمدهم بصف سادس أمثالهم أنصافهم من الظلمة وأنصافهم من النور، فلا ذلك النور يذهب سواد الظلمة ولا تلك الظلمة تذهب بذلك النور، ثم قال لهم: أقلوا العرش فما قدروا على إقلاله، ثم قال: كن فأمدهم بصف سابع أمثالهم؛ فملائكة أنصافهم من الدر وأنصافهم من الزمرد، فلا ذلك الدر يذهب شعاع ذلك الزمرد الأخضر ولا ذلك الزمرد يزيل شعاع ذلك الدر.
ثم قال لهم: أقلوا العرش فما قدروا على إقلاله، فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي وارتفاعي فوق عرشي وعلوي على خلقي وعظمتي لو أمددتكم بأمثالكم وأضعافكم أبد الآبدين ودهر الداهرين ما قدرتم على إقلاله إلا بي فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله فقالوها فاستقل العرش على رءوسهم فعظم عليهم ومدت أرجلهم تهوي فأمر الله عز وجل الملك أن يكتب اسمه الأعظم تحت أرجلهم فاستقل العرش على رءوسهم.
فالله تبارك وتعالى حامل عرشه لا من حاجة إليهم ولكن استعبدهم فإذا أماتهم حمل الله عز وجل عرشه كما كان بديا.
قال: حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال: حدثنا يحيى بن السري المروزي قال: حدثنا إسحاق بن مرار الشيباني قال: حدثني ركن الشامي عن مكحول -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في حملة العرش أربعة أملاك ملك على صورة سيد الصور وهو ابن آدم وملك على صورة سيد السباع وهو الأسد وملك على صورة سيد الأنعام وهو الثور قال: فما زال غضبان مذ يوم العجل إلى ساعتي هذه وملك على صورة سيد الطير النسر .


سمعنا في هذه الآثار ما جاء في صفة الملائكة، لا شك أن كثيرا من هذه الآثار فيه مبالغة، والكثير منها غير ثابت سندا، قد يكون بعضها متلقى من الأخبار الإسرائيلية، ولكن قد ورد كثير في الأحاديث الثابتة الصحيحة، كذلك أيضا قد ورد ما يدل على كثرة الملائكة وعلى عظمتهم.