اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
121346 مشاهدة
من عجائب مخلوقات الله

...............................................................................


وإن خلقة هذه الناموسة على خلقة الفيل. الفيل له هذا الخرطوم الذي يمده نحو مترين, أو قد يكون مترا ونصفا، ثم يلويه على ما يريده، ويتنفس معه، قد يمتص معه؛ فهو آلته التي خلقت له. البعوض له هذا الخرطوم, خرطوم كخرطوم الفيل. إذا نظرت إليه بالمجهر وجدت أن هذا الخرطوم هو سلاحه، وجعل الله تعالى له قوة البصر، مع صغر هذه البعوضة بصره أَحَدُّ من بصرنا؛ بحيث أنه إذا نظر في بشرة الإنسان علم المكان الرقيق، رأى المكان الرقيق.. الأماكن التي تسمى الْمَسَامَّ التي يخرج منها العرق فيقع عليها، ثم يضربها بمنقاره هذا الذي هو مثل الخرطوم للفيل محدد، ثم يمتص من الدم؛ ولذلك جعلها الله تعالى من آياته، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا أي: أن البعوضة من جملة مخلوقات الله التي جعلها آية.
وكذلك بقية الآيات التي نصبها كالدلالات لعباده. وهكذا أيضا من آياته ما أنبته الله, أو ما ينبته في هذه الأرض, يقول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا أي: أنه فيها أنهار جارية, وبحار متلاطمة, فهي آية من آيات الله تعالى.
وكذلك أخبر بأنه ينبت فيها النبات... أنواع النباتات أصلها, أو الأم واحدة, وهي الأرض، واللقاح واحد, وهو الماء, ومع ذلك تتفاوت: فمنها كبير, وصغير, منها أشجار ترتفع عدة أمتار، ومنها نبات ينبسط على الأرض, ومنها نبات صغير، منها ما هو قوت للطيور, وقوت للإنسان, وقوت للدواب -البهائم- وقوت لصغائر الحشرات وما أشبهها، كل ذلك من آياته التي لفت أنظار العباد إليها، وأمرهم بأن يتأملوا ويتفكروا فيها حتى يعقلوا ذلك.
لما شرح بعض هذا صاحب فتح المجيد أنشد قول بعض الشعراء:
تأمـل فـي نبـات الأرض وانظـر
إلـى آثـار مـا صنـع المليـك
عيــون مـن لجـين شـاخصات
بـأحـداق هـي الـذهب السبيك
علـى قضـب الزبـرجـد شاهدات
بـأن اللـه ليـس لـه شــريك
شبهها بأنها قضب الزبرجد, يعني: سوقها وأعوادها كأنها قضب الزبرجد، وأزهارها كأنها ذهب, يعني: تتلألأ زهرها, وألوان ذلك.
لا شك أنها شاهدات بأن الله ليس له شريك, فإذا تأمل العبد في هذه الموجودات عرف بذلك قدرة الله تعالى, وأنه على كل شيء قدير، وأنه الخالق لكل شيء، وأنه كما قال ابن كثير الخالق لهذه الأشياء, هو المستحق للعبادة، وأن الذين انصرفت أفكارهم عن هذه الموجودات، فهؤلاء ممن حرموا معرفة آيات الله، فيكونون قد سلبوا عقولهم, أو أشبه بمن لا عقول لهم؛ ولذلك كثيرا ما يقول: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ .
يعني أنهم يبصرون, ولكن صرفوا أبصارهم إلى شهواتهم. وهكذا شغلوا عقولهم بغير ما خلقوا له، فكانوا كالذين لا عقول لهم, حيث لم تنفعهم تلك العقول. فهذه آيات الله تعالى التي نصبها لعباده، يتفكر العبد فيها ويأخذ عبرة ودلالة. الآن نواصل القراءة.