شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
أهمية المتابعة والعمل بالعلم
وأما الشرط الثاني الذي هو المتابعة فهو الذي نتعلم لأجله، نتعلم حتى تكون أعمالنا صوابا؛ وذلك لأن الذين يعملون إما أن يعملوا على جهل، وإما أن يعملوا.. يعلمون ولكن يتركون العمل، وإما أن يعملوا على برهان، فالذين تعلموا وعرفوا وتفقهوا ولكنهم لم ينتفعوا ولم يعملوا بما تعلموه هؤلاء يصير علمهم حجة عليهم, ويستحقون العذاب على ما تحملوه وعلى ما عملوه؛ حيث علموا ولم يعملوا.
ورد في بعض الآثار: أن الذين يعلمون ويخالفون يعذبون قبلَ أن يعذب الجاهلون والمشركون، فيقولون: يا رب! كيف نعذب قبل المشركين؟ فيقال: ليس من يعلم كمن لا يعلم، أي: أنتم تعلّمتم ولكنكم خالفتم، وأخذ ذلك بعض أهل العقائد، فقال:
وعـالـم بعلـمـه لـم يعملـن | معـذب من قبـل عابـد الوثـن |
فإن كنت لا تـدري فتلك مصيبـة | وإن كنت تدري فالمصيبـة أعظم |
فيقول: ألسنة تصف، وقلوب تعرف، وأعمال تخالف؛ تصف ألسنتهم الحقائق؛ يصفون العلوم, ويصفون الأعمال, ويعرفون بقلوبهم؛ يعرفون الحق, يعرفون الأدلة, يعرفون الوعيد, يعرفون حقيقة الأعمال, ولكن مع ذلك لا يعملون, يخالفون ما يقولونه، فيدعون إلى الخير ولا يفعلونه، أو يعرفونه ولا يعملون به, وإذا كانوا يعلمون الناس, ومع ذلك لا يطبّقون ما يعلمونه صار الناس ينتفعون بعلومهم, وهم لم ينتفعوا بتلك العلوم، فيكون ذنبهم أكبر؛ ولهذا يقول بعضهم:
مـواعظ الـواعـظ لـن تقبــلا | حـتى يعيـهــا قـلـبـه أولا |
يـا قـوم مـن أظلم من واعـظ | خالـف مـا قـد قالـه في الملا |
أظهـر بيـن النـاس إحسـانـه | وخـالف الرحـمن لـمـا خـلا |
فنعرف هذا القسم الذين عَلِموا وعلّموا, ولكنهم لم يطبّقوا, ولم يعملوا بما عرفوه، أنهم أشد إثما من الجهلة, أو من العصاة العتاة الذين عصوا على جهل. لا شك أن الذين عصوا الله تعالى على جهل يُعَذَّبُون؛ لأنهم أعرضوا عن العلم، كان الواجب عليهم أن يتعلموا حتى ينوروا بصائرهم، وحتى يعرفوا الأحكام والوعد والوعيد, ولكنهم أعرضوا عن التعلم, وأعرضوا عن الاهتمام بالشرع، وانشغلوا بشهواتهم وبِلَهْوهم وبدنياهم, انشغلوا بذلك, فأصبحوا مستحقين للعذاب بهذا الإعراض.
مسألة>