إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
148553 مشاهدة print word pdf
line-top
الإيمان بالغيب معناه وصفته

...............................................................................


السلام عليكم ورحمة الله. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الله تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ .
الإيمان بالغيب هو الإيمان بكل ما أخبر الله تعالى به وأخبرت به رسله من الأمور الغائبة التي ما رآها المؤمنون، ولكن أخبرهم بها الله تعالى وأخبرتهم بها رسله، فيؤمنون بها.
والإيمان بها التصديق اليقين بصحة ما ذكر فيها، ذَكَر النبي صلى الله عليه وسلم أركان الإيمان بقوله: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره وهذه كلها من الأمور الغيبية يصدق بها المسلم وإن لم يرها، وذلك لاعتماده في التصديق على خبر الله تعالى وعلى خبر رسله، ومتى كان المُخبِر صادقا قُبِل خبره، واعتقد صحة ما أخبر به؛ فلذلك يكون الإيمان بالغيب من أقوى صفات المؤمن.
ورد في حديث الذاكرين أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن لله تعالى ملائكة سياحون في الأرض، فإذا رأوا جماعة يذكرون الله تعالى تنادوا: هلموا إلى حاجتكم, هلموا إلى حاجتكم، ثم يحفونهم إلى السماء, يحفونهم بأجنحتهم, ثم يصعدون إلى السماء, فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم: من أين أتيتم؟ فيقولون: أتينا من عند عباد لك يذكرونك ويشكرونك, ويحمدونك ويدعونك, ويستغفرونك, فيقول: وهل رأوني؟ فيقولون: لا والله يا ربنا ما رأوك, يقول: كيف لو رأوني؟ يقولون: لو رأوك لكانوا أعظم لك عبادة, وأعظم لك تعظيما, وأعظم لك تبجيلا, فيقول: وما يسألوني؟ يقولون: يسألونك الجنة. فقال: هل رأوها؟ قالوا: لا والله ما رأوها. كيف لو رأوها؟ قالوا: لو رأوها لكانوا أشد لها طلبا وأشد لها حرصا، قالوا: ويستعيذون بك من النار. فيقول: وهل رأوها؟ قالوا: لا والله ما رأوها. فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد منها هربا وأشد منها استعاذة أو كما قال.
هذه صفة الإيمان بالغيب, أي: أنهم يؤمنون بالغيب, بمعنى: أنهم يصدقون بما أُخبروا به, يؤمنون بربهم سبحانه, وبأسمائه وبصفاته وهم لم يروا ربهم في الدنيا، ولكن يعتمدون على الأخبار الصادقة ويعتمدون أيضا على الآيات والبراهين والبينات، فإيمانهم بالله وبصفاته من الإيمان بالغيب.
كذلك يؤمنون بكتب الله أنه أنزل كتبا، وإن لم يشاهدوا إنزالها قد يرونها أو يرون بعضها ولا يشاهدونها عندما نزلت، ولكن يتحققون أنها كلام الله وأنها كتبه فيؤمنون بجميع الكتب، ورد أن الله تعالى أنزل مائة كتاب وأربعة كتب، الأربعة: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن. هذه الأربعة تضمنت معاني المائة الأخرى، ثم إن معاني الأربعة تضمنها القرآن فهو مهيمن على الكتب قبله، قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ أي: محتويا على معاني الكتب السابقة؛ فلذلك من آمن بالقرآن آمن بما أخبر الله تعالى فيه من الكتب السابقة، ولزمه اتباعه.
كذلك الإيمان بالرسل، ما رأيناهم إلا أنا سمعنا بأخبارهم وبآخرهم وهو خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وعليهم وسلم، نؤمن بالرسل أن الله أرسل رسلا، وأنه نبّأ أنبياء، ورد في باب الأحاديث عدد الأنبياء؛ أنهم أربعة وعشرون ألف نبي، وأن منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسل؛ جم غفير، الذين ذكروا في القرآن نحو خمسة وعشرين نبيا، وهناك أنبياء آخرون ما سُمّوا قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ فيؤمن المسلم بجميع الأنبياء وجميع الرسل، ويعتقد صدقهم أنهم مرسلون، وأن الله حمّلهم شرعه ودينه، ويؤمن بأنهم بلغوا ما أوحي إليهم، بلغوا الرسالات التي أرسلوا بها، وأن الله أظهرهم ونصرهم؛ فمنهم من انتصر وظهر على قومه، ومنهم من أوذي وعُذب وقُتل؛ كما قال تعالى: فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ وقال: قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ دل على أن هناك أنبياء ورسل قد تسلط عليهم أعداؤهم فقتلوهم، ولكن الله تعالى ذكر أنه ينصر من يشاء.

line-bottom