الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
131152 مشاهدة
الإيمان بالغيب معناه وصفته

...............................................................................


السلام عليكم ورحمة الله. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الله تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ .
الإيمان بالغيب هو الإيمان بكل ما أخبر الله تعالى به وأخبرت به رسله من الأمور الغائبة التي ما رآها المؤمنون، ولكن أخبرهم بها الله تعالى وأخبرتهم بها رسله، فيؤمنون بها.
والإيمان بها التصديق اليقين بصحة ما ذكر فيها، ذَكَر النبي صلى الله عليه وسلم أركان الإيمان بقوله: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره وهذه كلها من الأمور الغيبية يصدق بها المسلم وإن لم يرها، وذلك لاعتماده في التصديق على خبر الله تعالى وعلى خبر رسله، ومتى كان المُخبِر صادقا قُبِل خبره، واعتقد صحة ما أخبر به؛ فلذلك يكون الإيمان بالغيب من أقوى صفات المؤمن.
ورد في حديث الذاكرين أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن لله تعالى ملائكة سياحون في الأرض، فإذا رأوا جماعة يذكرون الله تعالى تنادوا: هلموا إلى حاجتكم, هلموا إلى حاجتكم، ثم يحفونهم إلى السماء, يحفونهم بأجنحتهم, ثم يصعدون إلى السماء, فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم: من أين أتيتم؟ فيقولون: أتينا من عند عباد لك يذكرونك ويشكرونك, ويحمدونك ويدعونك, ويستغفرونك, فيقول: وهل رأوني؟ فيقولون: لا والله يا ربنا ما رأوك, يقول: كيف لو رأوني؟ يقولون: لو رأوك لكانوا أعظم لك عبادة, وأعظم لك تعظيما, وأعظم لك تبجيلا, فيقول: وما يسألوني؟ يقولون: يسألونك الجنة. فقال: هل رأوها؟ قالوا: لا والله ما رأوها. كيف لو رأوها؟ قالوا: لو رأوها لكانوا أشد لها طلبا وأشد لها حرصا، قالوا: ويستعيذون بك من النار. فيقول: وهل رأوها؟ قالوا: لا والله ما رأوها. فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد منها هربا وأشد منها استعاذة أو كما قال.
هذه صفة الإيمان بالغيب, أي: أنهم يؤمنون بالغيب, بمعنى: أنهم يصدقون بما أُخبروا به, يؤمنون بربهم سبحانه, وبأسمائه وبصفاته وهم لم يروا ربهم في الدنيا، ولكن يعتمدون على الأخبار الصادقة ويعتمدون أيضا على الآيات والبراهين والبينات، فإيمانهم بالله وبصفاته من الإيمان بالغيب.
كذلك يؤمنون بكتب الله أنه أنزل كتبا، وإن لم يشاهدوا إنزالها قد يرونها أو يرون بعضها ولا يشاهدونها عندما نزلت، ولكن يتحققون أنها كلام الله وأنها كتبه فيؤمنون بجميع الكتب، ورد أن الله تعالى أنزل مائة كتاب وأربعة كتب، الأربعة: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن. هذه الأربعة تضمنت معاني المائة الأخرى، ثم إن معاني الأربعة تضمنها القرآن فهو مهيمن على الكتب قبله، قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ أي: محتويا على معاني الكتب السابقة؛ فلذلك من آمن بالقرآن آمن بما أخبر الله تعالى فيه من الكتب السابقة، ولزمه اتباعه.
كذلك الإيمان بالرسل، ما رأيناهم إلا أنا سمعنا بأخبارهم وبآخرهم وهو خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وعليهم وسلم، نؤمن بالرسل أن الله أرسل رسلا، وأنه نبّأ أنبياء، ورد في باب الأحاديث عدد الأنبياء؛ أنهم أربعة وعشرون ألف نبي، وأن منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسل؛ جم غفير، الذين ذكروا في القرآن نحو خمسة وعشرين نبيا، وهناك أنبياء آخرون ما سُمّوا قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ فيؤمن المسلم بجميع الأنبياء وجميع الرسل، ويعتقد صدقهم أنهم مرسلون، وأن الله حمّلهم شرعه ودينه، ويؤمن بأنهم بلغوا ما أوحي إليهم، بلغوا الرسالات التي أرسلوا بها، وأن الله أظهرهم ونصرهم؛ فمنهم من انتصر وظهر على قومه، ومنهم من أوذي وعُذب وقُتل؛ كما قال تعالى: فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ وقال: قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ دل على أن هناك أنبياء ورسل قد تسلط عليهم أعداؤهم فقتلوهم، ولكن الله تعالى ذكر أنه ينصر من يشاء.