إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
107087 مشاهدة
المسافة بين السماء والأرض

...............................................................................


ورد -أيضًا- ذكر تحديد ما بين السماء والأرض في أحاديث كثيرة؛ أن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة ليست مسيرة مائة سنة؛ بل خمسمائة سنة. والمراد بالسير: الذي كان معروفًا, وهو سير الأقدام, أو سير الإبل. معلوم أن أقصى الأرض يمكن قطعه في عشرين سنة أو نحوها, قد ذكر الله تعالى أن ذا القرنين وصل إلى مشارق الأرض ومغاربها, يقول الله عنه: فَأَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ ثم قال: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ يعني: الأرض لها حدود؛ ومع ذلك يمكن أن تقطع, -يعني: دورتها أن تقطع- في عشرين سنة, أو في أربعين سنة؛ ومع ذلك فإن بُعد ما بيننا وما بين السماء خمسمائة, يعني: ليست عشرين سنة, ولا ثلاثين سنة ولا مائة؛ بل خمسمائة سنة بالسير المعتاد, ماذا تكون هذه المسافة؟ لا شك أنها مسافة عظيمة, وأنها بعيدة, وهكذا -أيضًا- ما بين كل سماء إلى سماء خمسمائة سنة كما ورد ذلك في أحاديث.
بعد ذلك نقول: إن الله تعالى قد يختصر هذه المسافة في زمن قصير, نتحقق ونجزم أن نبينا صلى الله عليه وسلم عُرج به إلى السماء ليلة الإسراء, أُسري به من مكة إلى بيت المقدس ومن بيت المقدس عُرج به إلى السماء, فذكر أنه وصل إلى السماء الدنيا. استفتح الملك ففتح له, فوجد في السماء الدنيا آدم سلم عليه, ثم صعد إلى السماء الثانية ووجد فيها يحيى وعيسى ثم صعد إلى السماء الثالثة فوجد فيها يوسف وفي السماء الرابعة إدريس وفي السماء الخامسة هارون وفي السادسة موسى وفي السابعة إبراهيم يعني: أرواحهم وصلوا إلى.. أو رفعوا إلى ذلك المكان.
ولا شك أن هذا دليل على عموم قدرة الله, كيف قطع الملك هذه المسافات بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ مع أن له جرما وله لحما وعظما كسائر البشر؟! ومع ذلك ما بيننا وبين السماء خمسمائة, وكثف كل سماء خمسمائة, وما بين كل سماءين خمسمائة؛ ومع ذلك قطعت في بعض ليلة؛ عرج به حتى وصل إلى السماء السابعة, ثم نزل إلى أن وصل إلى مكانه الذي كان فيه. فنؤمن بذلك كله, ونعرف عموم قدرة الخالق على كل شيء.

السلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كثيرًا ما يأمر الله تعالى بالتفكر في آيات الله تعالى وفي مخلوقاته, وهي من الدلالات على قدرته وعظيم سلطانه.
إذا قيل: بأي شيء عرفت ربك؟ فقل: بآياته ومخلوقاته. وأعظم آياته الليل والنهار, والشمس والقمر. وأكبر مخلوقاته السماوات والأرض ومن فيهن وما بينهما؛ وذلك لأنها دالة على قدرته, فإنه سبحانه نصب الآيات الدالة على قدرته فجعلها حجة على عباده. لما أمر بعبادته ذكر الدلالات، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً هكذا أمرهم بأن يستدلوا على أنه الذي جعل الأرض فراشا, والسماء بناء. الأرض فرشها, وجعلها فراشا يتقلب عليه الناس؛ يتقلب عليه الخلق, ويتنقلون عليه من مكان لمكان, والسماء جعلها بناء وسقفا محفوظا, يتأملون فيها وينظرون فيها.
لا شك أن هذا من أكبر الأدلة على كمال قدرته, وعلى عظمة سلطانه. كثيرا ما يأمر الله تعالى بالتأمل في ذلك, ويجعل هذا من الدلالة على قدرته تعالى وعلى استحقاقه للعبادة؛ فمن ذلك قول الله تعالى: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ .
فهذا دلالته واضحة على كمال قدرته, أنه رفع السماء وبناها، والبناء كما يشاء. يعني: كملها وبناها على ما يشاء, ولا يعلم الخلق من أي شيء بناها, البناء -عادة الذي نعرفه- يكون له مادة يتكون منها؛ الذي يريد أن يبني بيتا لا بد أن يكون له مادة, يبني بيتا من الطين ومن الحجارة ومن الخشب ومن الحديد, يعني: يجد مادته على وجه الأرض فيأخذ منها ما يبني به ذلك البناء الذي يريد أن يرفعه، ويشيده كما يشاء. الله تعالى لم يذكر من أي شيء مادة هذه السماوات حيث بناها، ولا مادة هذه الأرض حيث رفعها وبسطها. فهو قادر على تكوينها ولو لم يكن لها مادة تتكون منها.
كذلك أيضا قد عرف بأنه سبحانه لا يحتاج في بنائه إلى أعوان, ولا إلى شركاء إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فلما بنى هذه السماء ورفعها لم يكن بحاجة إلى من يعاونه. أخبر تعالى بأنه بنى هذه السماوات وأنها سبع سماوات، وكذلك ومن الأرض مثلهن، وذلك في وقت قصير كما يشاء في ستة أيام. ورد في بعض الأحاديث تفصيلها، وكذلك في بعض الآيات؛ مثل قول الله تعالى: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ خلق الأرض في يومين مع أن الأرض قد أخبر بأنها سبع أرضين، يقول الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ أخبر بأنه خلق من الأرض مثلهن.
وورد أيضا في الحديث أن الله خلق سبع أرضين؛ ولكن لا نعلم أين تلك الأرضين، فإن خلق الله تعالى واسع؛ كما في قوله تعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ أي: هذا الفضاء الذي ليس له نهاية الله قادر على أن يجعل فيه مخلوقات لا تصل إليها إدراكات البشر. ولا ندري أين بقية الأرضين؟ وورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: من ظلم شبرا من الأرض طُوقه من سبع أرضين دليل على أن هناك سبع أرضين, وأن بعضها أسفل من بعض؛ ومع ذلك لا نعلم أين تلك الأرضين؟ إنما البشر معروفون الآن على أرض واحدة ظاهرة.
وكثيرًا ما يلفت الله تعالى الأنظار إلى هذه المخلوقات ليعتبروا بها؛ وذلك لما فيها من الآيات, وما فيها من العبر العظيمة, فإن السماوات ذكر الله ما فيها من الآيات؛ كقوله تعالى: وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا وهي هذه السماوات سَبْعًا شِدَادًا يعني: شديدة, لا تقدرون على أن تصلوا إليها أو تخترقوها, وصفها بالشدة؛ لعظمها ولكثافتها، ثم قال: وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا أخبر بأنه جعل فيها هذا السراج؛ ألا وهو هذه الشمس، سماها الله سراجا؛ لأنها تضيء للناس إذا طلعت, سماها سراجا؛ كما في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا يضيء في الليل المظلم, والشمس تضيء في النهار, فكل منهما آية من آيات الله. وكذلك بقية الأفلاك وبقية النجوم التي يسيرها الله كما يشاء, فجعل هذه المخلوقات دالة على كمال قدرته وكمال عزته تعالى.
لا شك أن هذا دليل واضح على عظمة الخالق؛ فإن قوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً آية دالة على عظمته، ولهذا قال ابن كثير بعد تفسيرها: الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة. يعني: أنه الذي خلق هذه المخلوقات ورفعها كما شاء, وأنه هو أهل أَنْ يُعْبَد, رفع السماء؛ كما في قوله تعالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا يعني: رفعها وسمكها وقواها وسواها كما هي وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا كل هذه دلالات على عظمة هذه المخلوقات.