شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
الرد على منكري الغيب
...............................................................................
لا شك أن هذا دليل على أنها لها جرم, ولا نعرف ما كيفيتها, وإذا قصرت علوم الإنسان عن هذه, وهي من جملة المخلوقات, فكيف مع ذلك يتصور أو يشبّه ويدرك أوصاف من خلق هذه المخلوقات؟! لا شك أن الذي خلقها وكَوَّنَها وقدر وجودها أعظم من أن يتصوره الإدراك, أو تكيفه العقول, أو تتوهمه الأفكار, قصرت علوم المتكلمين عن أدنى شيء من هذه الأشياء, فيقال لهم: مَثِّلوا أرواحكم التي في أجسامكم وفي صدوركم, هل تقدرون أن تمثلوها, وأن تصوروها, وأن تبينوا ماهيتها؟!
إذا عجزتم عن تكيفها فالأولى لكم أن تتوقفوا عن تكييف صفات الخالق, أو إنكار صفاته, أو إنكار شيء مما يختص به مما وصف به نفسه, فلا دخل لكم في تكييف ولا في تمثيل ولا في تصور وتخييل؛ بل عليكم أن تُسلّموا، وتقولوا: آمنا بالله, وبما جاء عن الله على مراد الله. وآمنا برسول الله, وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله. وأن تتوقفوا عن ما وراء ذلك؛ فإنه لا يحيط به إلا الله تعالى.
هذا بالنسبة إلى الأمور الغيبية التي نسمع بها ونتحققها ولا نراها, يعني: الإيمان بالله والإيمان بالملائكة, والإيمان بالجن وبالشياطين وبالأرواح. نسمع بها, ونعلم أحقيتها؛ ومع ذلك لا نشاهدها, ولا نحس بها, ولا تراها أعيننا, ولا تلمسها وتمسها أيدينا, وكذلك بقية جوارحنا؛ ولكن نجزم بوجودها؛ لصدق الخبر بذلك, صدّقْنا النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به, أخبرنا بأنها من جملة الغيب, واعترف بها -أيضًا- الكثير من المتكلمين, والكثير من غير الإسلاميين, اعترفوا بالنفس (بالروح), واعترفوا -أيضًا- بالجن, فإذا كان كذلك، فنقول لهم: قفوا عند حدكم, ولا تتعدوا طوركم, ولا تنكروا صفات الله تعالى, ولا تنكروا ذاته, ولا تتدخلوا في كيفية شيء مما أخبر به من الأمور الغيبية التي لا تدركها عقولكم؛ وبذلك تكونون ممن آمن بالله إيمانًا صحيحًا. الآن نواصل القراءة.
مسألة>