لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
121338 مشاهدة
كيف يعذب الجن والشياطين بالنار وقد خلقوا منها

...............................................................................


وقد أورد بعض الملاحدة شبهة، وقال: إذا كان الشيطان خلق من النار فكيف يعذب بالنار؟ وكذلك الجن إذا خلقوا من النار, كيف يُعَذَّبُون بها؟ وكيف تحرقهم وهي مادتهم التي خلقوا منها؟
فقال أيضا: الإنسان خلق من الطين, ولو ضرب بلبنة طين لتعذب وتأذى, فالله تعالى يعذبه بنار تحرقه, ولو كان مخلوقا من جنس النار، وكذلك الجن مخلوقون أيضا من النار, وفي الآخرة يعذبون بنار تحرقهم, ولو لم تكن النار التي خلقوا منها, والتي لا يتألمون منها، وذلك لأنه يشاهد, أو يحكى كثيرا أن المصروعين الذين تلابسهم الجن لا يتأثرون بحرارة النار، وذلك لأنهم خلقوا منها, ولكن نار الآخرة ليست من جنس نار الدنيا.
ورد في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم : ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنم قالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية فقال: فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها معلوم أن نار الدنيا تحرق ما يوضع فيها, حتى الحديد يذوب فيها, فإذا فضلت بتسعة وستين جزءا تضاعف حرها, واشتد حرها، فيكون الذين يعذبون بها، ولو كانوا خلقوا منها لا بد أنهم يتألمون, ولا بد أنهم يحترقون فيها, كما يحترق مَنْ دخلها ممن كفر وعصى من الإنس.
نؤمن بأن الله تعالى خلق الملائكة من النور, ونؤمن أيضا بأن لهم القدرة على أن يتمثلوا بصور تناسبهم, وإن كنا لا نراهم على هيئتهم التي خلقوا عليها، كما ينزل الملك -ملك الوحي- ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد يبصره.
وكذلك أيضا قد يتمثل بصورة إنسان يبصرونه, ولكن لا يكون ذلك الإنسان, فيتمثل بصورة رجل يقال له: دحية بن خليفة الكلبي ويعتقدون أنه هو، وإذا هو الْمَلَك, وتمثل مرة بصورة رجل شديد بياض الثياب, شديد سواد الشعر, وسأل النبي صلى الله عليه وسلم وهم يسمعون, ثم اختفى ولم يَرَوْا له أثرا، وذلك دليل على ما منح الله تعالى الملائكة من التمثل والتشكل بما يشاءون من الصور, من صور البشر, أو صور الملائكة, أو غيرهم.
كما أن الجن أيضا أرواح لا نراهم، وكذلك الشياطين أرواح أو أجسام خفيفة يخرقها البصر, كما في قول الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ قبيله: يعني ما يشابهه, يعني: الجن والملائكة يرونكم من حيث لا ترونهم، تخرقهم أبصارنا؛ لأنهم أرواح خفيفة، هكذا خلقهم الله تعالى. أو لهم أجساد ليس لها ثقل, وليس لها أجرام.