من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
107162 مشاهدة
الشمس والقمر يجريان بقضاء الله تعالى وبقدره

...............................................................................


وأن كلا منهما يجري بقضاء الله تعالى وبقدره، يجري جريانا يناسبه؛ فقال الله تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ومعنى يُكَوِّرُ اللَّيْلَ يعني: أنه يأتي بهذا بعد هذا، وأنه يدخل من هذا في هذا؛ فينقص الليل ويكون زيادة في النهار.
وإذا نقص النهار كان زيادة في الليل، وذلك من آيات الله ومن الدلالة على عظمة قدرته. كُلٌّ يَجْرِي سخر الشمس والقمر كل منهما يجري، والجريان هو السير؛ أي الشمس جارية، والقمر جارٍ؛ فكل منهما يسير السير الذي قدره الله، وهكذا يقول الله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ يعني: ينسلخ النهار ويأتي الليل فيظلمون فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي أي: تسير سيرا حثيثا لا تتوقف فيه كما قدره الله، تجري وَالشَّمْسُ تَجْرِي أي: تسير كما شاء الله تعالى إلى الأجل الذي قدره الله لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا يعني: إلى أن يأتي الوقت الذي تستقر فيه ويتوقف جريانها. ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ .
جعل الله القمر له منازل؛ ينزل في كل ليلة من الشهر؛ ينزل كل ليلة في منزلة إلى أن ينتهي الشهر. كلٌّ -الشمس والقمر- تجري بأمر الله تعالى وبقضائه، جعلهما الله تعالى من آياته الدالة على عظمته، قال الله تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ وذلك لأن هناك من يعبد الشمس، وهناك من يعبد القمر؛ فنهى الله تعالى عن السجود للشمس والقمر، وأمر بالسجود لله الذي خلقهن، وجعلهما من آياته الدالة على عظمته، وعلى عظيم سلطانه؛ حيث سيَّرهما كما يشاء.
كذلك أخبر بسيرهما دائما؛ فقال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ أي: كل منهما مستمر ليس يتوقف إلى الوقت الذي قدر الله وقوفه فيه.
فهذا بلا شك دليل على: أن هذه الشمس جارية كما أخبر الله، وأن القمر جارٍ؛ إلا أنهما يجريان في أفلاكهما. قد أخبر الله تعالى بأنهما في السماء في قوله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا .
فالسراج هو الشمس. أخبر بأنه سراج، كما في قول الله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا إلى قوله: وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا فهو الشمس التي تضيء إذا طلعت، تضيء كل ما طلعت عليه؛ جعلها الله سراجا، وجعل القمر نورا. يخبر تعالى بأنه جعلهما في السماء جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا وأخبر أيضا بأنها تسير في أفلاك في قوله تعالى: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ .
فالشمس لا تدرك القمر، بل القمر يسير في فلكه، والشمس تسير في فلكها وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ بل كل واحد منهما يأتي في زمانه. لا يمكن أن يأتي الليل في وسط النهار، بل إنما يأتي إذا غربت الشمس, وأظلمت الدنيا جاء الليل كما أخبر الله تعالى، وكذلك يقول الله تعالى: وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً .
فـآية الليل هو القمر يعني يظهر فيه المحو؛ وذلك لأن الله جعله يضيء في الليل، وجعل آية النهار التي هي الشمس مبصرة؛ لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ يعني: من حكمة الله بأن نصب الشمس والقمر؛ أن تعلموا الأيام، وتعلموا الحساب؛ حساب الأوقات، فتعرفوا مقدار الليل والنهار.
النهار يبدأ من طلوع الفجر، أو من طلوع الشمس. والليل يبدأ من غروب الشمس. متى غربت الشمس بدأ الليل كما هو ظاهر، ومتى طلعت بدأ النهار كما هو ظاهر؛ لتعلموا الليل والنهار، وكذلك تعلموا الأسابيع؛ معرفة الأسابيع تُعْرَفُ أيضا بالشمس. إذا مضى سبعة أيام معدودة مضى أسبوع. بأي شيء نعرف ذلك؟ بغروب الشمس وبطلوعها.
كذلك أيضا معرفة الأشهر يكون بالقمر؛ آية ظاهرة. هذا القمر الذي نشاهده يطلع ويغرب، ثم يعرف ببزوغه هلالا ابتداء الشهر؛ يشاهد أنه إذا ابتدأ الشهر رُئِي هلالا صغيرا، ثم لا يزال يكبر، ثم لا يزال يصغر إلى أن ينتهي الشهر الثاني، وهكذا. فمعرفة الأشهر ومعرفة السنين بواسطة هذا القمر، ولا يحتاج إلى حساب الحسَّابين؛ بل هو شيء ظاهر بارز؛ يقول الله: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ويقول في آية أخرى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ أي: أن هذه الأهلة جعلها الله مواقيت للناس؛ يعرفون بها المواقيت التي تمر عليهم، والتي هم بحاجة إليها؛ إلى معرفتها. متى يحل الدين؟ ومتى تعتد المرأة بالأشهر مثلا؟ ومتى يحل الأمر الغائب؟ أو ما أشبه ذلك. يعرف ذلك بهذه الأشهر.
وكذلك أيضا أشهر العبادات. ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب ثم قال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا ؛ يعني: تسعا وعشرين، أو ثلاثين. ثم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته. فإن غم عليكم فاقدروا له فهذا دليل على أنه جعلنا نعمل بشيء نبصره؛ نبصره عيانا. وهذا أسهل علينا. نعرف دخول الشهر، ودخول السنة بواسطة هذه الشمس وهذا القمر، ولا حاجة إلى حساب الحسابين، وتنجيم المنجمين.