القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير logo شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
139639 مشاهدة print word pdf
line-top
وجوب الإيمان بالآخرة والعمل لها

...............................................................................


السلام عليكم ورحمة الله. بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الإيمان بالغيب: الإيمان بما أخبر الله تعالى به في الدار الآخرة. الإيمان بالغيب كل ما يكون بعد الموت: من عذاب القبر ونعيمه، ومن النفخ في الصور، وكذلك من البعث والحشر، وما يكون في يوم القيامة؛ ما ذكر من طول ذلك اليوم؛ أنه كألف سنة أو خمسين ألف سنة، وما ذكر فيه أيضا من تفاصيل الحساب والعذاب، والجزاء على الأعمال، وتطاير الصحف، وآخذ لكتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره، وكذلك نصب الموازين؛ وما يوزن فيها من الأعمال، ومن صحائفها، ومن العاملين.
وكذلك نصب الصراط ومرور الناس عليه؛ كما ورد في الحديث، وسرعتهم على حسب قوة إيمانهم، وعلى حسب عقائدهم أي: أن منهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يعدو عدو أو يمشي مشيا أو يزحف زحفا، ومنهم تخطفه تلك الكلاليب التي على جنبتي الصراط.
ونهاية ذلك دخول الجنة أو دخول النار، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ويؤمن أهل الإيمان وأهل السنة بما أخبر الله تعالى به من عذاب النار ومن نعيم الجنة.
ونعرف أن ما ذكر الله تعالى من عذاب النار فإنه حق، وكذلك من نعيم الجنة فإنه صدق، ولا تناقض بينه؛ فنؤمن بما قال الله تعالى عن أهل النار: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا وكذلك في قوله تعالى: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ سئل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف يمشون على وجوههم؟ فقال: إن الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم ويكون ذلك تنكيلا لهم، وما ذكر الله من قوله: عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مع أنه -سبحانه- أخبر بأنهم يتكلمون؛ يقولون: يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ وما حكى الله تعالى عنهم أنهم يقولون: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ فيتكلمون؛ فيدل على أنهم يكونون أحيانا بكما، وأحيانا يؤذن لهم فيتكلمون، ما ذكر الله من قوله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ قادر على أن ينطقها؛ ولهذا ذكر الله أنهم يقولون لجلودهم: لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا كيف تشهدون علينا؟! قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ فتتكلم جلودهم، وتقول: إن الله هو الذي جعلنا ننطق ونتكلم، الذي أنطق كل شيء، وكذلك ما أخبر من شدة العذاب في قوله: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا وما ورد في عذاب النار.
كذلك أيضا يؤمن أهل السنة بما ذكر الله من نعيم أهل الجنة، وما ذكر من سرورهم وحبورهم، وكل ذلك لا ينافي أو لا يخالف بعضه بعضا، فما ذكر من سعة الجنة وسعة منازلها، وكونها غرفا من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار، كل ذلك حق. الغرف: المساكن المهيأة التي فيها كل الملذات غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ وورد أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: إن أهل الجنة ليتراءون الغرف من فوقهم -يعني العالية- كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في السماء ؛ وذلك لتفاضل ما بينهم، يعني: أن بعضهم أرفع من بعض؛ كارتفاع النجوم عن أهل الأرض؛ منازل لمن رفعهم الله تعالى درجات.
والحكمة في ذلك الحث على الأعمال الصالحة التي تؤهل المؤمن لِأَنْ يكون من أهل الجنات العالية التي تكون أرفع وأحسن من غيرها، ولا يقنع المؤمن بالدنيء.
ذكر الله تعالى في سورة الرحمن الجنتين العاليتين، واللتين من دونهما؛ فوصف الجنتين العاليتين بقوله -فيهما- وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ يعني: مما يعده الله ثوابا لأوليائه، ثم ذكر أنهما: ذَوَاتَا أَفْنَانٍ وأخبر بأن: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ وأنهما: مدهامتان فجنتان ذواتا أفنان أرفع من الجنتين اللتين هما مدهامتان؛ وذلك لأن الأفنان هي أنواع المأكولات وأنواع المشروبات والملبوسات والمستلذات، أنواع اللذات يعني: أنها فيها أفنان متعددة، وأما اللتان الأخريان فإنهما مدهامتان يعني: من الخضرة، من خضرتها وزهورها؛ كأنها دهماء أي: تقرب إلى السواد. ذكر أن الجنتين الأوليين: فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ وأما الجنتان الأخريان ففيهما عينان نضاختان، واللتان تجريان، يعني: تجري وتسيل وتسير أفضل وأعلى من الجنتين النضاختين. النضاخة: هي التي تنضخ، يعني: تنبع وإن لم تجرِ، ثم ذكر أن في الجنتين الأوليين من كل فاكهة زوجان، من كل الفواكه التي تعرف والتي لا تعرف، من كل فاكهة زوجان. وأما الجنتان الأخريان ففصّل فيهما بقوله -فيهما- فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فلا شك أن اللتين فيهما من كل فاكهة زوجان أرفع من اللتين فصل ما فيهما أن: فِيهِمَا فَاكِهَةٌ يعني: ما يتفكه به، وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فالجنتان الأوليان أفضل.
ذكر الله أن الجنتين الأوليين أهلها: مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ الفرش: هي التي يجلس عليها، والبطائن: هي التي تبطن بها: بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ والإستبرق هو اللباس اللين الرقيق الذي هو من أفضل أنواع الحرير؛ من أفضل الحرير، ومع ذلك ذكر أنه في البطائن، فكيف بالظاهرات؟ إذا كانت هذه بطائنها فكيف بظهائرها؟
ثم ذكر أن جناهما دان: وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ الجنى هو الثمر. دانٍ: يعني: قريب؛ كقوله تعالى: قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ فتدلى ويأخذون منها بدون كلفة، لا يحتاجون إلى صعودها، ولا إلى رميها بحجارة حتى تسقط، بل تدنوا منهم ويقتطفون.
ذكر بعد ذلك الحور بقوله: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ قاصرات الطرف، يعني: أنهن يقصرن طرفهن على أزواجهن، وأنهن: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ .
أما الجنتان الأخريان، فذكر أن فيهما: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ والقاصرات أفضل من المقصورات، وأنهن مقصورات في الخيام، وأنهن: خَيْرَاتٌ حِسَانٌ وأنهن: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ أي: ما مسهن أحد قبلهم، يُتلذذ بهن، ثم ذكر أنهم: مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ فعرف بذلك تفاضل ما بين الأوليين والأخريين.
لما شرحهما ابن كثير في تفسيره وذكر تفاضل ما بينهما- سأل الله بقوله: نسأل الله أن يجعلنا من أهل الأوليين؛ وذلك لفضلهما على الأخريين، وكلاهما ذو فضل، كلاهما فيه فضل كبير؛ فيصدق المؤمن بما أخبر الله من هذا الفضل في هذه الدار التي هي دار الكرامة؛ ولكن يحمله هذا التصديق على أن يَجِدّ في الطلب، وعلى أن يبذل جهده، وكذلك يصدق بما أخبر الله مما يكون في النار من النكال والعذاب، ويحمله هذا التصديق على أن يجدّ في الهرب؛ يقول بعض السلف: عجبت للجنة كيف ينام طالبها؟! وعجبت للنار كيف ينام هاربها؟!
يعني: كيف يهنيه الطعام في الدنيا؟ وكيف يهنيه المقام؟ وكيف يهنيه التلذذ؟ وكيف يهنيه النوم؟ لو تصور حقيقية ما يطلبه لَجَدَّ واجتهد في الطلب بالأعمال الصالحة، ووصل ليله بنهاره، ولكن يقول بعض السلف: ألسنة تصف, وقلوب تعرف, وأعمال تخالف!!
هذا واقعنا؛ نسأل الله العافية، أن ألسنة تصف؛ تصف هذه الدار الألسن، وتبين ما فيها اعتمادا على ما أخبر الله في هذه الجنة من الكرامة، اعتمادا على هذا الفضل العميم، ثم مع ذلك تخبر بأن هذا حق وصدق، تصفه الألسنة، وتعرف ذلك القلوب، ولكن أين الاستعداد؟! أين الطلب لهذا الثواب العظيم؟ أين بذل الجهد؟
لا شك أن هناك من الصالحين من علموا، بعدما علموا عملوا؛ عملوا العمل الصالح الذي يؤهلهم لأنْ يكونوا من أولياء الله تعالى، فيذكر في تراجم كثير منهم، فيقال: لو قيل له: إنك تموت في هذا الشهر أو تموت في هذا الأسبوع لم يجد زيادة يضيفها إلى أعماله التي يعملها، بل يعمل الأعمال الصالحة في كل يوم؛ وذلك لأنه لا يترك وقتا يمر عليه بدون أن يشغله بعمل صالح، ويحفظ نفسه عن أن يقع في الأعمال السيئة؛ فهؤلاء هم أولياء الله وأصفياؤه الذين يستعدون في كل ساعة وفي كل يوم لنزول الآجال؛ كلما أصبح يوم قال: يمكن أن يكون هذا آخر حياتي، فلماذا لا أستعد فيه؟ ولا أعمل للجنة، وأجتهد في أعمال صالحة تؤهلني لدخولها، وتبعدني عن عذاب النار؟ وهكذا إذا دخل اليوم الثاني.
قال: يمكن أن يكون هذا آخر أيام حياتي؛ فيضاعف أيضا جهده وهكذا، فعرفنا بذلك أن ما ذكر الله تعالى من ثواب الجنة يرغّب به عباده في أن يعملوا الأعمال الصالحة التي يستحقون بها هذا الثواب العظيم، وما ذكر في النار من العذاب والنكال يخوِّف عباده من أن يقعوا في أعمال سيئة تدخلهم النار، وتجعلهم من أهل هذا العذاب؛ ولذلك لما ذكر الله تعالى النار، قال: ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ في قول الله تعالى: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ أي: شبّه الأماكن التي تستعر وتشتعل بأنها ظلل. يعني: أنها من آثار حرارتها كأنها ظلة، لا يخرقها البصر، ومع ذلك فإنها لا تضيء كما تضيء نار الدنيا، بل حرها شديد مع كونها ليس لها إضاءة؛ فلذلك قال: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ .
وهكذا إذا ذكر الله تعالى ثواب أهل الجنة رغّبهم في ذلك، وحثهم على أن يُجدُّوا، أي: يجتهدوا في طلب العمل الصالح؛ ليكونوا من أهل هذه الدار، التي هي دار كرامة الله.


line-bottom