إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
121303 مشاهدة
العدول عن الأشهر القمرية إلى الأشهر الميلادية تقليد للنصرانية

...............................................................................


في هذه الأزمنة من آثار الاستعمار، ومن آثار أولئك النصارى على كثير من البلاد الإسلامية؛ زهدوا في معرفة الأشهر القمرية، وصاروا يؤرخون بالأشهر الإفرنجية التي ليس لها علامات ظاهرة. فتركوا الأشهر الظاهرة التي يشاهد دخول الشهر فيها وانتهاؤه، وعدلوا إلى تقليد النصارى في أشهر وهمية لا تعرف إلا بتدقيق الحساب؛ وبالنظر في حسابات يحسبونها. وسموها بأسماء لم ترد عند العرب؛ سموها يناير وفبراير إلى آخره... لا شك أن هذا زهد فيما جاء الشرع به.
الله تعالى أخبر بعدة أشهر السنة؛ فقال تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا يعني: أشهر السنة القمرية. اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ؛ بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان فهو يسمي الأشهر العربية. ولم ترد هذه الأشهر الإفرنجية في لغة العرب، ولا يعرفها العرب، ولم ترد في الإسلام، وليس لها ذكر في الإسلام.
فعدل هؤلاء الذين قلدوا النصارى ونحوهم، وتركوا الأشهر الإسلامية التي جعل الله تعالى علاماتها ظاهرة؛ بزوغ هلال القمر؛ ثم يعرفونه إذا هَلّ، ويعرفونه إذا انتصف، ويعرفونه إذا تناهى أو قرب من التناهي؛ رؤية عين. ويعرفون بمضي اثني عشر شهرا أنها قد مضت؛ مضت السنة وابتدأت سنة أخرى. فعدلوا عن هذا.
كذلك أيضا عدلوا عن التاريخ الذي يبين لهم هجرة النبي صلى الله عليه وسلم. فإنه صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة إلى المدينة واحتفظ المسلمون بيوم هجرته وبسنة هجرته، وصاروا يؤرخون بها. وجاء هؤلاء الإفرنج وموّهوا على الناس، وقالوا: هذا التاريخ أقوى وهذا التاريخ أولى، فنزعوا إلى تاريخ لا يعرف، وسموه بالتاريخ الميلادي؛ مع أنه ليس حقيقيا.