لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
107433 مشاهدة
الدليل على كثرة الملائكة

...............................................................................


كذلك من هذا الجنس أيضا: الملائكة خلقهم الله تعالى أرواحا مستغنية عن أجساد تقوم بها، أرواح بلا أجساد؛ ولذلك ينزل الملك على النبي صلى الله عليه وسلم والناس حوله ولا يراه أحد, ويلقي عليه الوحي ويحدثه بما أمر به ويلقي في قلبه ما أرسل به، ثم يرجع ما يراه أحد ممن حوله.
لا شك أن هذا دليل على أنهم أرواح بلا أجساد, أعطاهم الله تعالى القدرة على التشكل, فإن الملك ينزل كثيرا بصورة رجل, يتصور بصورة رجل, ويفهم الناس أن هذا إنسان، كما يتصور بصورة دحية بن خليفة الكلبي وغيره، فهذا بلا شك دليل على قدرة الخالق سبحانه. بعد ذلك نقول: إن هؤلاء الملائكة لهم أشكال؛ منهم من هو صغير ومنهم من هو كبير.
ورد في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد أربع أصابع؛ يمكن أن يكون هناك ملك قدر خلقته قدر أربع أصابع, ويمكن أن يكون المراد أن السماء ممتلئة ليس فيها موضع أربع أصابع خالي من الملائكة, بل مليئة بالملائكة الركع والسجد والقيام والقعود الذين خلقهم الله تعالى لعبادته, وامتثلوا ما أمروا به, لا شك أن هذا دليل على أن مثل هذا الجنس، ذكر الله تعالى أن لهم أجنحة، فقال تعالى: جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يعني غالبهم من له جناحان أو ثلاثة أو أربعة، وقد يكون لبعضهم أكثر، قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام في صورته التي خلق لها له ستمائة جناح قد سد الأفق .
فهذا من خلق الله تعالى له ستمائة جناح, مع أنه أحيانا يتصور بصورة رجل, يعني يقدر بقدرة الله أن يتمثل بصورة إنسان كسائر الناس, وأما خلقته التي خلق عليها -كما ذكر في هذا الحديث- أنه قد سد الأفق.
من جملة خلق الله تعالى من الملائكة حملة العرش ورد في عظم خلقهم ما لا يحيط به إلا الله, قد عرف أن العرش سقف المخلوقات، وأنه لا يحيط به إلا الله, قد ورد في بعض الأحاديث أو الآثار أن العرش نسبة الكرسي إليه كحلقة ألقيت بأرض فلاة, حلقة ألقيت بفلاة من الأرض, وأن السماوات السبع والأرضين السبع في الكرسي كدراهم سبعة ألقيت في ترس، السماوات.. ذكر الله سبع سماوات, وسبع أرضين في قوله: وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ فذكر بعد ذلك أن الكرسي اتسع للسماوات والأرض وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أي: اتسع لها.

وإذا كان هذه عظمة السماوات والأرض, وهذا صغرها بالنسبة إلى الكرسي، كذلك أيضا نسبة الكرسي صغيرة إذا نسب إلى العرش، الكرسي في العرش كحلقة من حديد ألقيت بأرض فلاة، ماذا تشغل هذه الحلقة؟! إذا كانت هذه عظمة العرش فإن الملائكة يحملونه.
قال تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ أي: ثمانية ملائكة يحملون العرش، وقال الله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وقال تعالى: وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ فكيف يحملونه وهذه عظمته وهذا كبره وهذا سعته، كيف يحملونه؟! ورد أن الله تعالى لما خلقهم قال: خلقتكم لحمل عرشي، قالوا: كيف نحمل عرشك وأنت رب العالمين؟ فقال: احملوه بعظمتي أو بخلقي, فلم يستطيعوا أن يحملوه إلا بالتسبيح, أنه لهم زجل بالتسبيح, يكررون التسبيح, ويسبحون الله تعالى, فيكون هذا سببا في قوتهم وتمكنهم من حمل العرش.
كذلك ورد أيضا ما يدل على عِظَم خلقتهم, وأنهم لا يحصي خلقهم ولا يقدر قدرهم إلا الله. في حديث في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أذن لي أن أحدث عن ملك من الملائكة ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه، العاتق هو المنكب؛ يعني شحمة الأذن أسفلها؛ يعني مقدار رقبته هذا المقدار مسيرة خمسمائة أو سبعمائة سنة، فإذا كان هذا مسافة ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه كيف تكون بقية جسده أو بقية خلقته؟
لا شك أنهم -على ما عرفنا- خَلْق من خلق الله, أرواح, ولكن لا بد أن يكون لهم قدرة, وأن يكون لهم منعة, وأن يكون لهم قوة, ولذلك وصفوا بأنهم يحملون العرش.
كذلك ملائكة آخرون من غير حملة العرش لهم عِظَم, ولهم كثافة خلق وعظمة لا يقدر قدرها إلا الله, عظمة هذه المخلوقات تدل على عظمة الخالق؛ فإنه الذي أوجدها والذي خلقها, والذي قدرها قدر على خلقها مع كبرها ومع عظمة أبدانها وأرواحها، قدر أيضا على خلقها مع تنوعها ومع كثرتها وتغير أشكالها وما أشبه ذلك، لا شك أن هذا دليل على عظمة الخالق.
فالكلام في هذه المخلوقات إنما ذكرت ووصفت ليستدل بها على عظمة من خلقها وأوجدها, وإذا عرفت عظمة الخالق فإنه كذلك يكون أهلا أن يُعَظَّمَ, وأن يوحد ويعبد وحده لا شريك له؛ لأنه تفرد بهذه العظمة, بالعظمة الذي هذه عظمة مخلوقاته, فكيف بعظمته بذاته؟!