إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. logo إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
139638 مشاهدة print word pdf
line-top
الغيب بين الإنكار والتأييد

...............................................................................


طائفة من الفلاسفة يقال لهم: السمنية ذكرهم الإمام أحمد -رحمه الله- في رسالته المطبوعة التي اسمها الرد على الجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن، وذلك لأنه لما تكلم على الجهم الذي هو أول من اشتهر بهذا المذهب الذي هو مذهب التعطيل, ذكر أنه لقي قوما من السُّمنية, ولما لقوه أخذوا يسألونه عن عقيدته فقال لهم: أنا عبد لله, أنا أعبد الله ربي الله فقالوا له: هل رأيت ربك بعينيك؟ فقال: لا، فقالوا له: هل سمعت كلامه بأذنيك؟ قال: لا، فقالوا: هل مسسته بيديك؟ فقال: لا، فقالوا: هل طعمته؟ هل شممته؟ فقال: لا, فقالوا: إذن هو معدوم. فأوقعوه في الشك والحيرة، ثم بقي نحو أربعين يوما لا يصلي شاكا في عقيدته, ثم إنه قال لرئيس السمنية: هل لك روح يحيا بها جسدك؟ قال: نعم, فقال: هذه الروح هل رأيتها؟ هل سمعتها؟ هل مسستها؟ هل طعمتها؟ هل شممتها؟ فقال: لا، فقال فكيف تقر بأن لك روحا؟!
فعند ذلك تفكر هؤلاء السمنية في أنه يمكن أن يكون واجب الوجود موجودا وإن لم تدركه الحواس, فعند ذلك اصطلحوا معه على هذه الصفة التي اصطلحوا عليها وهو اصطلاحهم على أن الله تعالى موجود ولكن ليس وجوده كوجود المخلوقين, فأنكروا بعد ذلك جميعا أن يكون فوق أو تحت أو يمين أو شمال أو أمام أو خلف! وقالوا: إنه إذا كان كذلك فإنه يكون شبيها بالمخلوقات، ثم بعد ذلك بالغوا في إنكار هذه الصفات.
فهذا معتقد هؤلاء الذين ينكرون من العلوم ما سوى الحسيات, يوجد آخرون ينكرون الحسيات المحسوسة كالتي يشاهدونها, ينكرونها ولكن إنكارهم على وجه العناد, معاندين عنادا ظاهرا في إنكار هذه المحسوسات، وهذه الموجودات؛ بحيث إن أحدهم يشاهد ولده ويقول: يمكن أن هذا ولدي، ويمكن أنه ليس ولدي, يمكن أن يكون هذا أبي, أو غير أبي!! يمكن أن هذا إنسان, ويمكن أنه ثور, أو أنه بعير!! لا أجزم بأن هذا الذي أمامي إنسان, يمكن أني موجود أو غير موجود!! حتى يشك في وجود نفسه! فمثل هؤلاء الذين ينكرون المحسوسات لا حيلة في إقناعهم إلا أن يُضْرَبُوا، ويقال: هل هذا حقيقة؟ هل هذا الضرب حقيقة أم ليس بحقيقة؟ فلا بد أن يعترفوا بعد ذلك ويقروا بأنه مؤلم وأنه ضرب!! نقول: إن هؤلاء لا يؤمنون بالغيب, بل ولا يؤمنون بالْمُشَاهد.
فأهل الإيمان الصحيح, وأهل الاعتقاد السليم هم الذين يُقِرُّون بما أخبر به الرب تعالى، يعترفون حقيقة بما أخبروا به من الأمور الغيبية, وإن لم تدركه حواسهم.
يوجد أيضا في هذه الأزمنة مَنْ ينكرون وجود الجن, ووجود الشياطين ويقولون: لو كانوا موجودين لرأيناهم بالمجهر، هذا المجهر الذي يجعل الذرة كالقبة, لماذا لا يتصور فيه هؤلاء الجن؟ أين هم؟ لماذا لا نراهم؟ ولماذا لا نرى الشيطان؟ كيف يكون موجودا؟ وكيف يكون معنا؟ وكيف يكون الملائكة معنا عن يمين الإنسان وعن شماله؟ ومع ذلك لا نُحِس بهم, ولا نراهم؟
فيكذبون بالملائكة وبالجن وبالشياطين؛ لأنهم -في زعمهم- ما رأوهم ولا أدركوهم بحواسهم، ولا شك أن هذا تكذيب لخبر الله, الله تعالى أخبر وهو سبحانه الصادق في خبره فلا بد أن يصدق ما أخبر به من هذه الأمور الغيبية، وإن لم تدركها الحواسُّ, وإن خفيت على الحواس أو على المعلومات الظاهرة؛ وذلك لأن الله تعالى خلق الأرواح, وخلق الأجساد, وجعل كُلّا له نوع, وله إدراك, وخلقه لهذه الأرواح دليل على كمال قدرته, أنه قادر على كل شيء.
هذه الأرواح لا نشاهدها, ومع ذلك نصدق بوجودها، فنصدق بأن الإنسان مركب من جسد وروح, وأن هذه الروح هي التي تعمر هذا الجسد, وبها يكون متحركا وبنزعها يكون هامدا، يقال في الميت: خرجت روحه, بقي جسده ليس به حركة, روحه عندما خرجت هل رأيناها؟ نتحقق أنها خرجت عند موته, ولكن لا ندركها؛ هي من عالم الغيب، وكذلك نصدق بجنسها فنقول: إن الجن أرواح ليس لهم أجساد, ومع ذلك فإنهم يموتون.. الروح التي هي هذا المتحرك الذي هو الجان, يمكن أنه له جسد يناسبه، وإن كنا لا نراه ثم إذا قدر الله تعالى عليه الموت مات، يشاهد أن الجني يموت, فلا بد أن يكون هناك ما يموت به, أن هناك شيئا يخرج منه حتى يكتب مع الأموات, وكذلك أيضا لا بد أن الشياطين يموتون وأن الملائكة يموتون.
ورد في الحديث في الدعاء المشهور، أنه صلى الله عليه وسلم قال في دعائه: أنت الحي الذي لا يموت, والجن والإنس يموتون الجن أرواح خفيفة لا ندركها، وكذلك الشياطين أرواح خفيفة لا نبصرها, وكذلك الملائكة أرواح خفية لا نبصرها نتحقق وجودها, وإن كنا لا نراها بالأعين، وقد لا نحس بها, يقول الله تعالى عن الشيطان: يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ قبيله: يعني مَنْ هو من جنسه كالملائكة والجن مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ نعم, لا تدركهم أبصارنا, بل تخرقهم أبصارنا؛ كما أن أبصارنا لا تبصر الأرواح عندما تخرج, عندما تخرج روح الميت, تخرج روحه ولا نراها كما ورد في حديث قبض الروح, يقول في الحديث المشهور: إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة, وإدبار من الدنيا, نزلت عليه ملائكة بيض الوجوه, معهم أكفان من الجنة, وحنوط من الجنة, وياسمين من الجنة, فيجلسون منه مد البصر, ثم يأتيه ملك الموت فيجلس عند رأسه، فيقول: اخرجي أيتها الروح الطيبة! كانت في الجسد الطيب, فَتُسَلُّ روحه من جسده كما تُسَلُّ الشعرة من العجين, فإذا أخذها ملك الموت لم يدعوها في كَفِّهِ طرفة عين, حتى يجعلها في تلك الأكفان, وفي ذلك الحنوط فدل على أنها تخرج, وأنها شيء محسوس, وأنَّ مَلَكَ الموت يقبضها, وأن الملائكة يأخذونها, وأنهم يجعلونها في تلك الأكفان وذلك الحنوط, ونحن لا نراهم؛ لأننا من جنسٍ وهي من جنس, الإنسان جسد وروح, فالروح غير جنس ذلك الجسد.
كذلك بقية المخلوقات التي لها أرواح ولها أجساد, منها ما هو كبير كالفيل ونحوه, ومنها ما هو صغير كالذرة والبعوضة، الكل لها جسد وروح, يعني هذه الذرة لها روح تناسبها، إذا ماتت خرجت تلك الروح, ولو كانت صغيرة تناسبها, نعتقد أن هذه الأرواح, أي: إذا خرجت من الإنسان أنها لا تفنى, بل إنها باقية, وموتها هو مفارقتها لهذا الجسد, إذا خرجت من هذا الجسد صدق عليها أنها ماتت. فقوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ يدخل في ذلك الأرواح والأجساد, فموت الروح مفارقتها لذلك الجسد؛ ولذلك يقول لها ملك الموت: اخرجي من الجسد، اخرجي أيتها الروح الطيبة من الجسد, كانت في الجسد الطيب, كنتِ تَعْمُرِينه.
فكل ذلك داخل في الإيمان بالغيب, حيث إننا نُخبر بها خبرا صادقا من الله تعالى, ونصدق بذلك الخبر, ونبني عليه صحة ما أُخبرنا به, أُخبرنا في الأحاديث بأن هناك عذابا ونعيما في البرزخ؛ ويسمى عذاب القبر، وإن كان القبر في أعيينا لا نشاهد فيه شيئا, يعني: قد يبحث عن الميت بعد يوم أو بعد يومين, فيوجد على حالته التي وضع عليها ما تغير؛ وذلك لأن الحساب والعذاب على الروح.
وأما الجسد فإنه عادة يفنى يكون ترابا، وقد يوصل الله تعالى -ولو كان ترابا- ما يناسبه من العذاب أو من النعيم، وأما الروح فإنها باقية..
أولا: أنها مخلوقة من خلق الله تعالى.
ثانيا: أنها بعد الموت, موتها: مفارقتها لهذا الجسد، ثم ينالها الحساب وينالها العذاب, وينالها الثواب الذي تستحقه في هذا البرزخ. أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهداء أرواحهم خرجت من أجسادهم يقول: إن أرواحهم جعل لها أجساد خاصة, جعل لها أجساد, جعلت في أجواف طير خضر تعلق في شجر الجنة. هذا من خصائص الشهداء، لأن الله تعالى أخبر بأنهم أحياء في قوله تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ وكذلك قول الله تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ نحن نتحقق أن جثمانه قد دفن في الأرض, ونتحقق أنه قد خرج من هذه الحياة, ونتحقق أن زوجته حل نكاحها لغيره, وأن تَركته قسمت بين الورثة, وذلك من أحكام كونه ميتا، فأما روحه فإنا نتحقق أنها باقية كما شاء الله.
ولهذا في عقيدة السفاريني يقول:
وأن أرواح الورى لم تعدم
مع كونها مخلوقة فاسـتفهم
فالإنسان تخرج منه هذه الروح, نصدق بها وإن كنا لا نراها, ولا نتكيف صفتها، وكذلك الجان نصدق بأنه يلابس الإنسان حتى تغلب روح الجان على روح الإنسان، وذلك أنه إذا تسلط على الإنسان فإنه يلابسه, بحيث أنه يدخل في جميع جسده, إذا ضُرِب ذلكَ الإنسان لا يُحِسُّ بالضرب, بل يكون الضرب على الجني الذي لابسه يخرج منه الجني, ولا نشاهده يأتي إليه الجني، فيدخل في جسده ونحن عنده ولا نراه, لا شك أن هذا من علم الغيب الذي أخبرنا الله تعالى به كذلك نصدق بالملائكة الذين أخبر الله تعالى عنهم أخبر بقوله: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ .
ينكر ذلك كثير من الفلاسفة وأشباههم ويقول: أين الملائكة؟ لو كانوا عن يميني أو عن يساري أو على منكبي لأحسست بهم, ولسمعتهم, أين هم؟! نقول: أنت في عالم, وهم في عالم, أنت جسد وروح, وهم أرواح لا تُحِسُّ بهم, وكذلك يكتبون ما تقوله وأنت لا تدري, فعليك أن تُصَدِّقَ بكل ما أُخبرت به وإن لم يدركه بصرك.
فالحاصل: أننا نؤمن بما أخبر الله، ومن جملة ذلك الخبر عن الملائكة أنهم خلق من خلق الله تعالى. سمى الله تعالى منهم خازن النار مالك قال الله تعالى: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ دل على أنه مَلَكٌ من الملائكة, خازن النار, ومع ذلك لا تؤثر فيه النار كما تؤثر في المعذبين من الإنس والجن، وكذلك أيضا سمى الله جبريل وميكال أخبر بأنهم من الملائكة, نصدق بما أخبر الله من ذلك كله، أخبر أيضا بأن للجنة خزنة, وللنار خزنة في قوله تعالى: وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا يعني: خزنة النار أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ منكم, هؤلاء خزنة النار، لا ندري كيف يكونون في النار, ومع ذلك لا تحرقهم.
ورد في حديث أنه يوم القيامة يجاء بالنار يجاء بجهنم ولها سبعون ألف زمام في كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها من يحصيهم إلا الله؟ يقول تعالى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يجاء بها تجرها هؤلاء الملائكة الذين لا يحصي عددهم إلا الله، يمكن أن بعض الملائكة من جنس حملة العرش, أو من جنس الملائكة الذين خلقهم لا يحيط به إلا الله.
ومع ذلك هذا عددهم نصدق بأن للجنة خزنة في قوله تعالى: وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ خزنة الجنة الذين يحفظونها, والذين يكونون حولها, أخبر الله تعالى في الدار الآخرة بأن الملائكة يُحَيُّون أهل الجنة يقول تعالى: وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ الملائكة يدخلون عليهم من أبواب الجنة, وكذلك يدخلون عليهم في أبوابهم, وفي أماكنهم, ويحيونهم سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ .
لا شك أن هذا كله دليل على أن هؤلاء الملائكة خلق من خلق الله تعالى، نعرف ونتحقق أنهم موجودون وإن كنا لا نشاهدهم.
فالذين يُكَذِّبُون بوجود الشياطين, وبوجود الجن, وبوجود الملائكة يعتبرون مكذبين بخبر الله, فلا يدخلون في الآية الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ لا يكونون من الذين يؤمنون بالغيب, بل يقال: هم من الذين يُكَذِّبُون بما أخبر الله تعالى به من الأمور الغيبية, فلا يكونون من هؤلاء الموصوفين. نستمع إلى كلام أبي الشيخ .

line-bottom