إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
93401 مشاهدة
الله سبحانه لا يخلو من علمه مكان

قوله:
( الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن ) .


شرح:
هذا مبدأ الدخول في الصفات، بدأ في صفات الله - تعالى - بهذه الجملة: ( لا يخلو من علمه مكان ) معلوم لكل مؤمن أن ربنا - سبحانه وتعالى - مطلع علينا، وعالم بأحوالنا، ويعلم أسرارنا وعلانياتنا؛ فلأجل  ذلك يذكر دائمًا هذا الأمر مثل قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ( ق:16 ) يعلم الله خطرات النفس ووساوس الصدر، وهواجس القلب، بل يعلم أخفى من ذلك.
فسر بعض العلماء قوله تعالى: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ( طه:7 ) أن السر: ما أضمره العبد في قلبه ولم يحرك به شفتيه، فضلا عن أن يتكلم به عند أحد، وأخفى من السر: هو ما سوف يخطر له فيما بعد، قبل أن يحدث به نفسه ، ولكن الله يعلم أنه سيفعله فيما يُستقبل أو سيخطر بباله .

إذا فالله - تعالى - لا يخلو من علمه مكان، أية مكان صغير أو كبير، يعلم ما يكون فيه، يعلم من يكون في هذا المكان، وعددهم، ونياتهم وأسرارهم، وعلانيتهم، ولا يشغله هذا عن المكان الثاني ولا عن البلاد الثانية، ولا عن أهل السماوات ولا عن أهل الأرض، فإنه كل يوم هو في شأن لا يشغله شأن عن شأن، يعلم كل مكان وما يحدث فيه.
قلت:إن هذا أول ما بدأ في الصفات حيث ذكر عِلم الله تعالى ، وأنه واسع ومحيط بالأشياء، وعليم بها، ويفسر ابن قدامة رحمه الله بهذه الكلمة (الآيات التي فيها المعية) يشير إلى أنها محمولة على العلم كقوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ( الحديد:4 ) .
 فإن ذلك معية العلم والاطلاع، والقرب والهيمنة، والقدرة والنظر والرؤية، وهو معكم أين ما كنتم يراقب ويطلع عليكم، ويعلم أسراركم، ويعلم أعمالكم، وكذلك قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ ( المجادلة:7 ) يعلم ما يسرونه وما يتناجون به.
ولعل ابن قدامة رحمه الله يرد بهذه الجملة على المعتزلة والحلولية والفلاسفة والكثير من الصوفية والجهمية، فهؤلاء عقيدتهم - والعياذ بالله - إنكار صفة العلو، وادعاء أن الله بذاته في كل مكان؛ فلذلك قال: ( لا يخلو من علمه مكان ) ردًّا على من يقول: إنه بذاته في كل مكان ، وهذا قول الحلولية الذين يدعون أنه حال بذاته في المخلوقات كلها، وهذا عين الكفر وعين الجحود؛ فإن الرب - تعالى - بائن من خلقه مع كونه مستويًا على عرشه.