جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
shape
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
117026 مشاهدة print word pdf
line-top
مسألة: قول الإمام الأدرمي رضي الله عنه في هذا الباب

قوله:
وقال محمد بن عبد الرحمن الأدرمي لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها: هل علمها رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو لم يعلموها؟ قال: لم يعلموها. قال: فشيء لم يعلمه هؤلاء علمته أنت؟ قال الرجل: فإني أقول: قد علموها. قال: أفوسعهم أن لا يتكلموا به، ولا يدعوا الناس إليه، أم لم يسعهم؟ قال: بلى وسعهم.
قال: فشيء وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لا يسعك أنت؟ فانقطع الرجل. فقال الخليفة - وكان حاضرًا - لا وسَّع الله على من لم يسعه ما وسعهم، وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان، والأئمة من بعدهم، والراسخين في العلم من تلاوة آيات الصفات، وقراءة أخبارها، وإمرارها كما جاءت فلا وسع الله عليه.


شرح:
 هذه القصة مشهورة في كتب السنة: توجد فيها بطرق كثيرة، وبألفاظ كثيرة كما في كتاب الشريعة ( للآجري ) وغيره، وفي ترجمة الإمام أحمد ( لابن الجوزي )، وفي غيره من كتب أهل السنة. هذا الإمام سماه بعضهم محمد بن عبد الرحمن وبعضهم سماه عبد الله بن محمد عالم من علماء الأمة.
         ذكروا أنه لما أحضر إلى الخليفة، والخليفة في زمنهم هو الواثق قال له: ناظر أبا عبد الله يريد المبتدع الخبيث الذي يقال له: أحمد بن أبي دؤاد وكان هو الذي زين للخلفاء أن يفتنوا العلماء، وأن يلزموهم بهذه البدعة التي هي القول بخلق القرآن، فقال هذا العالم - رحمه الله: إنه ليس أهلا أن يناظرني ولا أن أناظره؛ فغضب الخليفة، وقال: أبو عبد الله ليس كفؤا وليس أهلاً؟ فطمأنه، وقال: مهلا سوف يظهر الحق ويتبين عند المناظرة، أناظره تمشيًا على رغبتك. وقد رويت القصة بألفاظ مطولة، كما في كتاب الشريعة.
         وذكروا أنه جيء به موثقًا إلا أنه أصرَّ أن يعلن أن القرآن كلام الله غير مخلوق فلما أحضر عند الخليفة وبدأ في المناظرة، أتى بما ملخصه أن قال له: هذه البدعة، أو هذه المقالة التي تقول بها أنت، هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي ؛ خلفاء الأمة، الخلفاء الراشدون، خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم، الذين زكاهم وشهد لهم بالهداية؛ هل علموها أو لم يعلموها؟
         فقال أولاً: ما علموها. فتعجب وقال: كيف تعلمها أنت؟ ولم يعلمها الصحابة والخلفاء الراشدون؟، ولم يعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمتها أنت؟ هل نزل عليك وحي؟ هل أنت رسول من الله تعالى؟ ما الدليل على رسالتك؟ ما هو الوحي الذي نزل عليك حتى تكون أنت أعلم من الرسول، وأعلم من الخلفاء؟ فتحيّر ابن أبي دؤاد ولم يجد بدًّا من أن يقول: بل علموها.
 فانتقل محمد بن عبد الرحمن - رحمه الله - إلى أن يقول له: ما دام أنهم علموها، فهل دعوا إليها، وفتنوا الناس وألزموهم بما ألزمتهم به، وعذبوا من أنكرها وحبسوهم، وأنكروا على من خالفهم، أو لم يدعوا إليها؟
 من المعلوم أنهم ما دعوا إليها، بل ولم يشتهر أنهم قالوا: إن القرآن مخلوق، ولم يقل ذلك أحد من الأمة، فقال: لم يدعوا إليها. لا بد أن يعترف لأن التواريخ في القصص المشهورة؛ أنهم ما دعوا إليها، ولا فتنوا أحدًا، ولا ألزموه أن يقول هذه المقالة الشنيعة التي هي الإلزام بأن القرآن مخلوق، فلما لم يجد بدًّا التزم واعترف بأنهم ما دعوا إليها.
         فعند ذلك قال له: فهلا وسعك ما وسعهم ما دام أنهم علموها وسكتوا، وتركوا الناس على معتقداتهم ولم يفتنوا أحدًا، ولم يلزموا أحدًا، ولم يعذبوا أحدًا، ولم يقولوا لهم هذه المقالة باطلة، أو هذه المقالة حق أو نحو ذلك. فاسكت كما سكتوا، ويسعك ما وسعهم، فإن كنت على صواب فصوابك لنفسك، ولا تغير عقائد غيرك، وإن كنت على خطأ فخطؤك على نفسك، أما غيرك فلا تغير عليهم ما دام الرسول وصحابته لم يغيروا عليهم ولم يفتنوهم، فانقطعت حجته عند ذلك.
والخليفة الذي كان قد سبب الفتنة، والذي كان أول من اتصل به ابن أبي دؤاد وبشر المريسي من الخلفاء - هو الخليفة المأمون وهو ابن هارون الرشيد هذا الخليفة هو الذي أظهر قوله بخلق القرآن، ودعا إليه، وفتن كثيرًا من الأئمة، وجيء بالإمام أحمد إليه، فدعا الله أن لا يريه وجهه، فاستجاب الله دعوته، فمات المأمون قبل أن يصل إليه الإمام أحمد  
ولكن تولى الخلافة بعد المأمون أخوه المعتصم وكلاهما من أولاد الرشيد رحمه الله، وهو رشيد كاسمه؛ كان يغزو سنة ويحج سنة، وكان ينصر السنة كأبيه وجده، ولكن ولداه المأمون والمعتصم اتصل بهما هؤلاء المبتدعة، وزينوا لهما البدعة التي هي إنكار الصفات وإنكار كلام الله تعالى، وإنكار أن يكون القرآن كلامه، والقول بأنه مخلوق، حتى جيء بالإمام أحمد وبقي سجينًا عند المعتصم وجلد في زمنه عدة مرات، وأطيل تعذيبه، وعذّب عذابًا شديدًا، ولكنه تحمل ذلك وصبر.
ثم بعد ثماني سنين مات المعتصم وتولى بعده ولده الواثق الذي جرت عنده قصة الأذرمي والواثق ولد المعتصم والصحيح أنه رجع عن هذه المقالة بسبب هذه الحجة التي احتج بها الأذرمي رحمه الله.
وتولى بعده ولده المتوكل بن الواثق وهو الذي نصر السنة، وأكرم الإمام أحمد وأعزه ومكَّنه من أن يظهر السنة، واستدل على أن أباه الواثق قد رجع عن هذه المقالة بقصة الأذرمي معه؛ حيث إنه قال: لا وسَّع الله على من لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا ما دام أنه وسعهم السكوت، فكيف لا يسعنا؟ الأولى بنا أن نسكت كما سكتوا، وأن نكِل الناس إلى ما يعتقدونه من الأدلة.
ومع أن الإمام أحمد - رحمه الله - قد بالغ في ذكر الأدلة التي استدل بها عندهم، وذكر لهم أحاديث وآيات إلا أنهم لم يقتنعوا واستمروا على مقالتهم الباطلة إلى أن ظهر الحق وأعز الله أهله والحمد لله.

line-bottom