إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
93394 مشاهدة
لله قدرة عامة وللعبد قدرة خاصة

فلا يجوز أن يقال : ليس للعبد أية قدرة أصلاً، فهذا قول الجبرية، ولا يقال : ليس لله قدرة أصلا فهذا قول المعتزلة ، بل لله قدرة عامة وللعبد قدرة خاصة، وقدرة الرب غالبة على قدرة العبد، ودليل ذلك في القرآن قوله تعالى : لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ (التكوير:28-29) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ (المدثر:55-56) فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ (الإنسان:29-30) ونحو ذلك من الآيات.
فالاحتجاج بالقدر هو قول المشركين الذين يقولون: لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ (الزخرف:20) أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ (يس:47) فهؤلاء الجبرية الذين يحتجون بالقدر قولهم موافق لقول المشركين، والغالب أنهم لا يحتجون به إلا عند أهوائهم؛ ولهذا يقول ابن القيم في الميمية.
وعند مراد الله تفنى كميِّـــت
وعند مراد النفس تُسدي وتُلحـِمُ
وعند خلاف الأمر تحتج بالقضا ظهيرًا علـى الرحمن للجبر تزعم

 يعني: تزعم أنك مجبور، فحصل في ذلك تقسيم الطوائف إلى ثلاث:
الطائفة الأولى: الذين يقولون إن العبد هو المستقل بفعله، وهؤلاء هم القدرية، وكذلك ينكرون قدرة الله ويدعون أن الله يعصى قهراً.
الطائفة الثانية: طائفة مجبرة؛ الذين ينكرون قدرة العبد أصلاً، ويقولون: ليس له شيء من الفعل، فحركته كحركة المرتعش الذي لا يقدر على إمساك يده، أو حركته كحركة الشجرة التي تحركها الرياح بدون اختيارها فليس له أية قدرة.
الطائفة الثالثة: قول أهل السنة: أن له قدرة وإرادة، وأنه بحسبها يثاب ويعاقب ، وإن كانت خاضعة لقدرة الله تعالى.