من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
91081 مشاهدة
مسألة: الإيمان بكل ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -

قوله :
( ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا ؛ نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه أو جهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه. )


شرح:
هذا مما يتعلق بالعقيدة؛ وهو الإيمان بالغيب، وأول وَصْفٍ وَصَفَ الله به المتقين: الإيمان بالغيب قال تعالى: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (البقرة:2-3) والغيب كل ما غاب عنا وأخبرنا عنه، وكان الخبر يقينًا؛ أخبر الله به في القرآن أو أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث.
لا شك أن الأخبار الغيبية إخبار عن أمر ما شاهدناه ولا رأيناه، فما هي طريقتنا في ذلك وماذا نفعل ؟ علينا أن نصدق به وإن لم تدركه عقولنا أو حواسنا، وكل شيء غاب عنا وأخبرنا عنه بخبر قد يكون غريبًا وقد يكون مستبعدًا، فإذا كان الخبر من الله أو رسوله وجب التصديق به مهما كان، والأمثلة لذلك كثيرة.
فأولاً: الخبر عن الله تعالى: هذا من الإيمان بالغيب، الخبر عنه بأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه، متصف بصفات كذا، منزه عن صفات كذا وكذا، هذا من الإيمان.
ثانيًا: الخبر عن الرسل: أخبرنا الله، وأخبرنا الرسول عن الرسل بأخبار منها مثلاً: أن آدم خُلق من تراب، وأن الله أسجَدَ له ملائكته، وأسكنه جنته، وأن إبليس احتال عليه حتى أخرجه؛ هذا من الإيمان بالغيب، لأننا ما شاهدناه لكن جاءنا الخبر اليقين، فنصدق به ونؤمن به.
ثالثًا: الإخبار عن الملائكة؛ عن كثرتهم، وعن عبادتهم، وعن أعمالهم، وعن أماكنهم، هذا أيضًا من الإيمان بالغيب، نقبله ولو استبعده من استبعده، فإن الأمور الغيبية لا تدرك بالعقول وإنما تدرك بالأخبار، فإذا كان المخبر ممن يجب تصديقه، فالتصديق به داخل في خصال الإيمان فلا يجوز رد شيء من خبره. ويقال هكذا في بقية الأخبار، وبالأخص ما يكون في الدنيا، فإن الإنسان قد يعجز عن إدراكه، ولكن إذا كان خبرًا صحيحًا ثابتًا فلا يجوز رده، ولو كذب بذلك من كذب.
ذكر ابن القيم في كتابه (الروح) عن الفلاسفة أنهم أنكروا عذاب القبر؛ وأن القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار ، وأنه يُفسح للميت في قبره مد بصره، أو أنه يضيق عليه حتى تختلف أضلاعه ، وأنه يأتيه الملكان فيجلسانه، وأنهما يسألانه، وأنه إذا لم يعرف يضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق، وأنه يفتح له باب إلى الجنة أو باب إلى النار، وأنه يأتيه من روحها وريحانها فهم ينكرون ذلك ويقولون: هذا لا نحس به، فإننا كشفنا عن الميت فوجدناه على هيئته لم يتحرك ولم يتغير، فأين هذه الأشياء التي تزعمونها ؟ .
الجواب: أنكم في دار وهُم في دار، أنتم في دار الدنيا وهم في دار البرزخ، ومن مات فقد قامت قيامته، وليس لكم أن تنكروا الشيء الذي لا تدركونه، فإن إدراك هذه الأشياء إنما هو خاص بمن قد مات، وأما الأحياء فقد حجبت عنهم؛ ولأجل ذلك أخبرنا أن الإنسان لا يسمع هذه الأصوات، وذلك أنه لو سمعها لتكدرت عليه حياته، ولما اطمأن في الدنيا، ولما ركن إلى ملذاته، بل لا يعيش عيشة هنيئة، فلأجل ذلك حجب الله عنا هذه الأشياء فلم نرها.