الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
التفاضل بين الصحابة
ومعلوم أن هذا الذي أثنى الله به عليهم ثابت لهم، ووعد من الله تعالى ، والله لا يخلف الميعاد ، ولكن الرافضة يدعون أنهم ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم لما لم يبايعوا عليًّا اسم> وجحدوا الوصية المزعومة؛ حيث يدّعون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن عليًّا اسم> هو الخليفة بعده ! .
وقد ذكر الله فضل السابقين الأولين رأس> وأن فضل أحدهم لا يدركه من بعدهم، ولهذا سماهم الله السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، وأثنى عليهم، فلا شك أن هذا دليل على تفاضلهم ، وأن الذين هاجروا وصبروا على الذل والقلة والفقر ، وصبروا على الشدة ولقوا الأذى من المشركين، وتحملوا ذلك كله، وتحملوا مفارقة أبناء بلادهم وأولادهم، أليس هؤلاء أفضل؟ لا شك أنهم امتازوا على غيرهم بميزة لا يدركهم فيها غيرهم.
ثم أيضًا تفاوتهم أفرادًا؛ فأفضلهم أبو بكر اسم> رضي الله عنه خليفة النبي صلى الله عليه وسلم الذي لو تكلمنا عن فضله وميزته وخصائصه لطال بنا المقام ، وكذلك خليفته عمر اسم> رضي الله عنه، له أيضًا فضل كثير ، قد ذكر ابن كثير اسم> رحمه الله أنه كتب كتابًا بلغ ثلاثة مجلدات كبار في فضل الشيخين رضي الله عنهما ، وابن كثير من المحدثين ومن أهل المعرفة، فلا يذكر إلا ما هو صحيح دون الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ وما ذاك إلا لأن الرافضة كتبوا في فضائل علي مجلدات ، ولكنها خرافات مكذوبة لا أصل لها.
رأيت عند بعض الأخوة كتابًا استحضره من إيران اسم> من كتب السير الرافضية بلغ خمسة وثلاثين مجلدًا، في سيرة أئمتهم الاثنى عشر، يذكر في فضل كل واحد منهم مجلدين أو ثلاثة، ولكن يعتمدون على أسانيد إنما هي أكاذيب يتصورها ثم يسردها، ويوهم أتباعه أنه ورد في فضلهم هذه القصص وهذه الوقائع، وحصل لهم ما حصل وأنهم تعبدوا بتلك العبادات، وأنهم فتحوا وجاهدوا وعلموا من العلوم كذا وكذا!! إذا قرأها الجاهل خيل له أنهم أولياء وأصفياء وصفوة أهل الأرض، وأنه ما كان ولا يكون مثلهم.
نحن نقول: الأئمة نعترف بفضلهم، ولكن هذه الأكاذيب ليسوا بحاجة إليها ، فأهل السنة -والحمد لله- لم يرووا في فضل أئمتهم ولا خلفائهم شيئًا من تلك الأكاذيب والموضوعات، ولا يروون إلا بأسانيد موثقة، وإذا كان هناك أسانيد ضعيفة نبهوا على ضعفها.
فعقيدتنا أن أفضل الأمة أبو بكر اسم> وذلك لأنه صدِّيق الأمة كما نزل فيه قوله تعالى: رسم> وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ قرآن> رسم> (الزمر:33) آية> الذي جاء بالصدق هو النبي صلى الله عليه وسلم، وصدق به أبو بكر اسم> رضي الله عنه، فلذلك سمي بالصديق لمبالغته في التصديق ، وقيل: إن سبب تسميته؛ أنه لما حدث النبي صلى الله عليه وسلم بحادثة الإسراء التي استغربها الكفار، قالوا لأبي بكر اسم> إن صاحبك يزعم أنه أُسري به إلى بيت المقدس اسم> ورجع في ليلة ، فقال: صَدقَ ! إني أصدقه بأعظم من ذلك ، في خبر السماء؛ فمن ثم سمي بالصديق .
وفضائله مشهورة، ولو لم يكن إلا أنه صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد صرح الله تعالى بصحبته في قوله تعالى: رسم> إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا قرآن> رسم> (التوبة:40) آية> وأي فضيلة أعظم من هذه، رسم> إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا قرآن> رسم> المعية الخاصة، معية الحفظ والتوفيق، والكلاءة والرعاية، والهداية والإلهام، لا يدركها غيره ، وهذه الصحبة لا شك أنه امتاز بها، وكذلك الرفقة؛ كونه اختار أن يصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأعطاه إحدى راحلتيه ولكنه بذل الثمن، ثم مشى معه وصار يحرسه في طريقه، ويحرص على أن لا يراه أحد إلى أن وصل إلى المدينة وهو ثاني اثنين إذ هما في الغار.
ثم ما عُرف أنه تخلف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة ولا في سرية أبدًا، بل دائمًا هو في صحبته، وكذلك أيضًا: أنابه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج في سنة تسع من الهجرة، وأمّره على الحجيج وأرسل عليًّا اسم> ليبلغ أول سورة براءة.
والرافضة يقولون : إنه عزله في هذه الغزوة وأمّر عليًّا اسم> ومن أجل ذلك يعلنون البراءة في اليوم السابع من شهر ذي الحجة وفي المشاعر - يقولون : نحن نبلغ مثل ما بلغ علي هذه البراءة التي يعلنونها قبل يوم التروية بيوم، وكذبوا على علي اسم> رضي الله عنه، فإنه ما بلغها إلا في تلك السنة هو وغيره ممن بلغوها.
ومن فضله أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه في الصلاة لما مرض وقال: رسم> مُروا أبا بكر فليُصلِّ بالناس متن_ح> رسم> فألزمه بأن يصلي بالناس، وصلى بهم عدة أيام، واستمر على الصلاة بهم.
ولما توفي صلى الله عليه وسلم اجتمعوا على بيعته ورضوا به خليفة وقالوا : رضينا لدنيانا من رضيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لديننا ، إذ اختاره لديننا إمامًا في الصلاة، فإننا نرضاه أن يكون خليفة لدنيانا وأميرًا لشؤوننا.
والأدلة على خلافته كثيرة، والسيوطي اسم> رحمه الله في تاريخ الخلفاء استوفى كثيرًا من الأدلة التي فيها إشارات أو فيها دلالات واضحة على أنه هو الخليفة، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: رسم> عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين متن_ح> رسم> ولا شك أنه أولهم، وكذلك ثبت قوله عليه السلام: رسم> اقتدوا باللذين من بعدي؛ أبي بكر وعمر متن_ح> رسم> .
ثم بعده بالفضل: عمر اسم> رضي الله عنه، وسمي الفاروق اسم> ؛ فاروق الأمة الذي فرّق الله بإسلامه بين الحق والباطل، وأظهر الله بإسلامه الإسلام، وقوي المسلمون بعد أن أسلم، وكان صارمًا بطلا شجاعًا قويًّا في أمر الله تعالى.
أسلم رضي الله عنه بمكة، اسم> ولما أسلم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألسنا على حق ؟ قال: (بلى)، قال: فلماذا نستخفي؟ فشجعهم وخرجوا، وقد كانوا يتعبدون ويصلون في دار ابن أبي الأرقم اسم> فقال: سوف نصلي في المسجد الحرام اسم> رغم من أنكر علينا ، فخرجوا في صفين، في أحدهما حمزة اسم> وفي الآخر عمر، اسم> فلما رآهم المشركون أصابهم اليأس والحزن حيث عرفوا أن الإسلام قوي بإسلام عمر اسم> رضي الله عنه.
هاجر رضي الله عنه مع جملة من المهاجرين، وصبر ولازم النبي صلى الله عليه وسلم وسافر معه، وصار معه دائمًا، وصار قرينه لا يفارقه، وبقي كذلك إلى أن استخلفه أبو بكر اسم> لما حضره الموت فقام بالأمر من بعده خير القيام كما هو معروف، ولما توفي دفن إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم بعده في الفضل: عثمان اسم> رضي الله عنه، ولا شك أيضًا أنه من المهاجرين الأولين ومن المسلمين القدامى، ويسمى: (ذو النورين) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - زوَّجه أولاً ابنته رقية اسم> وتخلف عن غزوة بدر اسم> لتمريضها ثم توفيت ، ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم زوّجه أختها أم كلثوم اسم> وبقيت أيضًا حتى توفيت عنده، فقال صلى الله عليه وسلم: رسم> لو كان عندنا بنت ثالثة لزوجناها عثمان رسم> فلم يحظَ أحد بمثل ما حظي به ، فلذلك سمي : (ذو النورين).
ثم بعده في الفضل: علي اسم> رضي الله عنه، ولا شك في صحة خلافته ، لما قتل عثمان اسم> رضي الله عنه لم يكن هناك أحد أحق بالخلافة من علي اسم> فتمت له البيعة، إلا إنه خرج عليه من خرج للمطالبة بدم عثمان اسم> ؛ كأهل الشام اسم> وأهل العراق اسم> ونحوهم، ثم اختلفت الأمة عليه إلى أن قتل.
وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون الأربعة، وقد ورد تحديد مدتهم في حديث سفينة اسم> في قوله صلى الله عليه وسلم: رسم> الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك متن_ح> رسم> . والأدلة على ترتيبهم هذه الآثار مثل حديث ابن عمر اسم> يقول: رسم> كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي : أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان - يعني: في الفضل- فيبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينكره متن_ح> رسم> يعني نرتبهم نقول: أبو بكر اسم> أفضل، ويليه عمر اسم> ويليه عثمان اسم> ولا ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
والآثار عن علي اسم> فيها أنه خطب على المنبر في الكوفة اسم> فقال: (أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر اسم> ثم عمر اسم> ولو شئت لسميت الثالث) قالوا: إنه يريد نفسه أو يريد عثمان اسم> الله أعلم, ولكن مشهور عنه فيما يشبه المتواتر، ومروي عنه من نحو عشرين طريقًا أنه صرح بأن أفضل الأمة أبو بكر اسم> ثم عمر اسم> .
فأين الرافضة من هذا ؟ لا شك أنهم لو كانوا ذوي عقول لقبلوا ما قاله علي اسم> ؛ الذي هو عندهم الإمام، وهو الخليفة المعتبر بزعمهم، ومع ذلك تأتيهم كلماته الصحيحة الصادقة الثابتة فلا يقبلونها، ويقبلون الأكاذيب التي يبتدعها بعض غلاتهم ويصدقونها، فأين هؤلاء وأين عقولهم؟!.
لا شك أنا إذا تأملنا ما جاء عنه، وما جاء عن الصحابة، وما جاء في هذه الأحاديث التي فيها فضائل الصحابة رضي الله عنهم وميزتهم وما حباهم الله وما لهم من الفضائل؛ نجد أنها كلها تبطل غلو هؤلاء الرافضة في أهل البيت - كما يقولون - وسبهم وتنقصهم لخلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم الذين زكاهم وشهد بفضلهم.
وهذه الأحاديث أيضًا منها ما هو مرفوع كما سمعنا في حديث أبي الدرداء اسم> ؛ فهو صريح في فضل الشيخين أبي بكر اسم> وعمر، اسم> وفيه أن الشمس لم تغرب على مثل هذين الشيخين: أبي بكر اسم> وعمر اسم> رضي الله عنهما.
لا شك أن فضائلهم كثيرة، والمسلم عندما يسمع هذه الفضائل يعرف أن لهم من الفضل ما يحملهم على أن يكونوا أسوة وقدوة، وأنهم تصدق أقوالهم ويقتدى بهم؛ لأنا نزكيهم ونشهد بأنهم حملة العلم وحملة الشريعة، والسابقون من هذه الأمة، فلا يجوز أن نسمع لمن يطعن فيهم أو ينتقصهم، ولا أن نرد شيئًا من أقوالهم إلا الأقوال التي يجتهدون فيها ويكونون مخطئين مخالفين لنص صريح لم يبلغهم، فنعتذر عنهم ونقبل الحق ممن جاء به.
مسألة>