الفتاوى الذهبية في الرقى الشرعية
حكم إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم
حكم إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم رأس>
سؤال> الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد شاع بين كثير من الناس أن هناك من يتعلق بالكهان والمنجمين والسحرة والعرافين وأشباههم؛ لمعرفة المستقبل والحظ وطلب الزواج والنجاح في الامتحان، وغير ذلك من الأمور التي اختص الله -سبحانه وتعالى- بعلمها، كما قال -تعالى- رسم> عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا قرآن> رسم> وقال -سبحانه- رسم> قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ قرآن> رسم> .
فالكهان والعرافون والسحرة وأمثالهم قد بين الله -سبحانه وتعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ضلالهم وسوء عاقبتهم في الآخرة، وأنهم لا يعلمون الغيب، وإنما يكذبون على الناس، ويقولون على الله غير الحق وهم يعلمون، قال -تعالى- رسم> وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ قرآن> رسم> وقال -سبحانه- رسم> إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى قرآن> رسم> وقال -تعالى- رسم> وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ قرآن> رسم> .
فهذه الآيات وأمثالها تبين خسارة الساحر، وما له في الدنيا والآخرة، وأنه لا يأتي بخير، وأن ما يتعلمه أو يعلمه غيره يضر صاحبه ولا ينفعه، كما نبه -سبحانه- أن عملهم باطل، وصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: رسم> اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله? قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات متن_ح> رسم> متفق على صحته حديث> .
وهذا يدل على عظم جريمة السحر؛ لأن الله قرنه بالشرك، وأخبر أنه من الموبقات وهي المهلكات، والسحر كفر لأنه لا يتوصل إليه إلا بالكفر، كما قال -تعالى- رسم> وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ قرآن> رسم> وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> حدُّ الساحر ضربة بالسيف متن_ح> رسم> .
وصح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب اسم> -رضي الله عنه- أنه أمر بقتل بعض السحرة من الرجال والنساء، وهكذا صح عن جندب الخير الأزدي اسم> -رضي الله عنه- أحد أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قتل بعض السحرة، وصح عن حفصة اسم> أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت، وعن عائشة اسم> -رضي الله عنها- قالت: رسم> سأل أناس النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الكهان، فقال: ليسوا بشيء، فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانًا بشيء فيكون حقًّا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليه، فيخلطوا معها مائة كذبة متن_ح> رسم> رواه البخاري اسم> حديث> .
وقال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عنه ابن عباس اسم> -رضي الله عنهما- رسم> من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد متن_ح> رسم> رواه أبو داود اسم> وإسناده صحيح حديث> وللنسائي اسم> عن أبي هريرة اسم> -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: رسم> من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلّق شيئًا وكل إليه متن_ح> رسم> وهذا يدل على أن السحر شرك بالله -تعالى- كما تقدم؛ وذلك لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الجن والتقرب إليهم بما يطلبون من ذبح وغيره من أنواع العبادة، وعبادتهم شرك بالله عز وجل.
فالكاهن من يزعم أنه يعلم بعض المغيبات، وأكثر ما يكون ذلك ممن ينظرون في النجوم لمعرفة الحوادث، أو يستخدمون من يسترقون السمع من شياطين الجن، كما ورد بالحديث الذي مر ذكره، ومثل هؤلاء من يخط في الرمل، أو ينظر في الفنجان، أو في الكف ونحو ذلك، وكذا من يفتح الكتاب زعمًا منهم أنهم يعرفون بذلك علم الغيب وهم كفار بهذا الاعتقاد؛ لأنهم بهذا الزعم يدعون مشاركة الله في صفة من صفاته الخاصة وهي علم الغيب، ولتكذيبهم بقوله -تعالى- رسم> قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ قرآن> رسم> وقوله: رسم> وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ قرآن> رسم> وقوله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- رسم> قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قرآن> رسم> الآية.
ومن أتاهم وصدقهم بما يقولون من علم الغيب فهو كافر؛ لما رواه أحمد اسم> وأهل السنن من حديث أبي هريرة اسم> -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> من أتى عرّافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد اسم> صلى الله عليه وسلم متن_ح> رسم> وروى مسلم اسم> في صحيحه عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: رسم> من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة متن_ح> رسم> وعن عمران بن حصين اسم> -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: رسم> ليس منا من تطيَّر أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد اسم> صلى الله عليه وسلم رسم> رواه البزار اسم> بإسناد جيد حديث> .
وبما ذكرنا من الأحاديث يتبين لطالب الحق أن علم النجوم، وما يسمى بالطالع، وقراءة الكف، وقراءة الفنجان، ومعرفة الخط، وما أشبه ذلك مما يدعيه الكهنة والعرافون والسحرة كلها من علوم الجاهلية التي حرمها الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ومن أعمالهم التي جاء الإسلام بإبطالها والتحذير من فعلها، أو إتيان من يتعاطاها وسؤاله عن شيء منها، أو تصديقه فيما يخبر به من ذلك؛ لأنه من علم الغيب الذي استأثر الله به.
ونصيحتي لكل من يتعلق بهذه الأمور أن يتوب إلى الله ويستغفره، وأن يعتمد على الله وحده، ويتوكل عليه في كل الأمور مع أخذه بالأسباب الشرعية والحسية المباحة، وأن يدع هذه الأمور الجاهلية ويبتعد عنها ويحذر سؤال أهلها أو تصديقهم؛ طاعةً لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- وحفاظًا على دينه وعقيدته، وحذرًا من غضب الله عليه، وابتعادًا عن أسباب الشرك والكفر التي من مات عليها خسر الدنيا والآخرة.
نسأل الله العافية من ذلك، ونعوذ به -سبحانه- من كل ما يخالف شرعه أو يوقع في غضبه، كما نسأله -سبحانه- أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعيذنا جميعًا من مضلات الفتن، ومن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد اسم> وآله وصحبه .
مسألة>