اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
الفتاوى الذهبية في الرقى الشرعية
141765 مشاهدة
مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا وإمامنا وسيدنا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإنه كثر الحديث في عصرنا حول موضوع العلاج بالرقى الشرعية؛ بسبب كثرة الأمراض بالعين والسحر، أو مس الجن وعجز الطب الحديث عن معالجتها من جهة، وظهور بعض مستعملي الرُّقى الشرعية، وفي المقابل بروز كثير من السحرة والمشعوذين من جهة أخرى، ومما لا شك فيه أنه كما أن من يستعمل الرقى الشرعية ينبغي أن يعان ويناصر، فكذلك من يستعمل الرقى بالسحر والشعوذة يجب أن يهان ويُعاقب.
إلا إنه حدث خلط عند بعض الناس بين الأول والثاني، إما بسبب عدم العلم بأحكام الشرع عامة، أو عدم المعرفة بضوابط الرقى الشرعية خاصة، فأخذ الصالح بالطالح والمصلح بالمفسد، ومع هذا الخلط في المفهوم توجه بعض الشباب المتحمس للقضاء على ظاهرة السحر والشعوذة، فوضعوا أنفسهم موضع أهل الفتيا، وأقحموها في دقائق الأحكام، فأخذوا بالأمر والنهي في أمور اجتهادية، ولم يعتدوا بآراء أهل الفتوى من العلماء الذين قال الله فيهم: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ .
وتسرعوا فوقعوا في أعراض بعض القراء من أهل العلم والتقى والصلاح، وحفظة كتاب الله ممن نذروا أنفسهم لنفع إخوانهم عملا بقوله -صلى الله عليه وسلم- من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل .
والوقوع في الأعراض من الكبائر؛ ففي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق وقال أيضًا: إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق وقال: كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه .
وهذا الحماس الزائد، الذي ربما أفضى -كما ذكرت- إلى إنكار المعروف أو المسائل الاجتهادية التي فيها سعة، قد يجرئ العلمانيين الذين يصفون هذا الدين وأهله بالرجعية والتخلف، ويعدون العلاج بالرقى الشرعية من الخرافات التي ينبغي التخلص منها، كما إنه يتيح الفرصة للمنافقين والحاسدين المندسين في صفوف المتحمسين للمكر والكيد لأهل الخير والصلاح والإصلاح.
لأجل ذلك كلِّه، ولمّا رأيت أن الموضوع لم يُعطَ حقه من البيان، رأيت أن أعد كتابًا أجمع فيه ما تناثر من فتاوى كبار العلماء والفضلاء، وإضافة كثير من الأسئلة والاستفسارات المستجدة لدى كثير ممن يرقون بالرقى الشرعية من المشهود لهم بالتقى والصلاح، حيث عرضت أسئلتهم على العلماء للإجابة عنها، ومن ثم نشرها لتتضح الأمور وتعم الفائدة.
وختامًا أسأل الله أن يمنّ على مرضى المسلمين بالشفاء العاجل، وأن يهدينا إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
خالد بن عبد الرحمن