إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
تفاسير سور من القرآن
74062 مشاهدة
تفسير قوله: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ

...............................................................................


قُلْ لهم يا نبي الله: هي ليست بحرام أبدا، وليست بمحرمات البتة.
هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا حلال مباحة. وقوله: هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا غير خالصة فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ أي غير مختصين بها بل يشاركهم فيها الكفار، ونصيب الكفار فيها كثير، كما قال تعالى: وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وفي القراءة الأخرى لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الآية.
قال بعض العلماء: بينت هذه الآية أن سبب خلق الزينة والطيبات من الرزق أن الله خلقها في الدنيا لخصوص المؤمنين، إلا أنه رزق منها الكفار تبعا للمؤمنين؛ لأن الدنيا متاع يأكل منه البر والفاجر؛ فتلك الزينة وطيبات الرزق في الدنيا يشترك فيها البر والفاجر، ويأكل منها المسلم والكافر.
لكنها يوم القيامة تبقى خالصة للمؤمنين، لا يشاركهم فيها كافر أبدا، ولذا قال: هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ؛ أي ويشترك معهم فيها الكفار في حال كونها خَالِصَةً لهم يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يشاركهم فيها أحد؛ لأن يوم القيامة لا يجد الزينة ولا الرزق الطيب إلا المؤمنون خاصة.أما الكفار فلا زينة لهم، ولا رزق طيب.
وعلى قراءة الجمهور فخالصةً حال، وعلى قراءة نافع خالصةٌ بالرفع، فهي خبر بعد خبر. هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا الجار والمجرور في لِلَّذِينَ آمَنُوا خبر، وخالصةٌ خبر آخر. وعلى قراءة الجمهور فخالصةً حال، وعامله الكون والاستقرار الذي يتعلق بالجار والمجرور هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا كائنة مستقرة لِلَّذِينَ آمَنُوا في حال كونها خَالِصَةً لهم وحدهم يَوْمَ الْقِيَامَةِ وهذا التفسير هو الصحيح الذي عليه الجمهور.
ومعناه أن الزينة والطيبات من الرزق في دار الدنيا يشترك فيها البر والفاجر، والمؤمن والكافر، وأنها في الآخرة تكون خالصة للمؤمنين، لا يشاركهم فيها أحد إذ لا يجد الزينة والرزق الطيب في القيامة إلا المؤمنون خاصة؛ ولذا لم يذكر خلوصها لهم في الدنيا لاشتراك الكفار معهم، وصرح بكونها خالصة لهم في خصوص الآخرة.
وهنالك تفسير غير ظاهر قال به جماعات من علماء التفسير، أن معنى كونها خالصة للمؤمنين -أن الله ينعمهم بها في الدنيا، وينعمهم في الآخرة أيضا، ولم يحسبها عليهم، ولم ينقص أجورهم بتلك اللذات والطيبات من الرزق التي أكلوها في الدنيا، وهذا مستبعد.
والقول الأول هو الذي عليه الجمهور هو معنى الآية إن شاء الله. وهذا معنى قوله: هِيَ ؛ أي الطيبات من الرزق، والزينة للذين آمنوا في الحياة الدنيا؛ أي ويشاركهم فيها غيرهم من الكفار، لكنها يوم القيامة خالصة للمؤمنين لا يشاركهم فيها أحد.
ويوضح هذا أن نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما قال الله له: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا فلما قال الله له: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا طلب الإمامة لذريته قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي فبين له الله أن الظالمين من ذريته غير المستقيمين المطيعين لا يعهد الله لهم بالإمامة؛ لأنهم لا يستحقونها.
حيث قال مجيبا له: قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ؛ فعرف إبراهيم أن ربه كأنه لامه في الجملة؛ حيث طلب الإمامة لناس منهم من لا يصلح لها؛ كما قال الله لإبراهيم وإسحاق وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ .
ثم بعد ذلك لما عرض إبراهيم طلب الرزق خصه بالمؤمنين خوف أن يلام كالملامة الأولى، وقال: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ثم قيد وقال: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فربه قال له: هذه في الدنيا لا تحتاج إلى القيد قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فيأكل من الدنيا أيضا مع المؤمن، فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ وهذا معنى قوله: خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنما سمي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؛ لأنه يوم يقوم فيه جميع الخلائق بين جبار السماوات....