شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
ملائكة الله تعالى لا يحصي عددهم إلا الله
...............................................................................
لا شك أيضا أن ملائكة الله تعالى لا يحصي عددهم إلا الله، قال الله تعالى: رسم> وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ قرآن> رسم> لما نزل عدد خزنة جهنم رسم> عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ قرآن> رسم> انتقد ذلك المشركون، وقالوا: يزعم محمد اسم> أن أهل النار الذين يعذبونكم تسعة عشر، وأنتم أكثر القوم, أفلا تنتصرون منهم؟! فيقول: ألا يعجز كل مائة منكم عن واحد؟ حتى قال واحد منهم: أنا أكفيكم عشرة, واكفوني تسعة!! استهزاء.. وقال آخر: أنا أكفيكم سبعة عشر, واكفوني اثنين! كل ذلك استهزاء. ما علموا أن الواحد من خزنة النار يقبض الألوف ويلقيهم في النار، وأنه لا يعرف قدرهم وعظمتهم إلا الله تعالى، ولذلك قال تعالى: رسم> وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا قرآن> رسم> .
ذكر عدتهم التسعة عشر فتنة للذين كفروا؛ ليظهر مَنْ يصدق ومَنْ يكذب، ثم قال تعالى في آخر الآية: رسم> وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ قرآن> رسم> جنود ربك من الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله, فهو سبحانه الذي خلقهم وهو الذي سخرهم، ولا يحصي عددهم إلا هو، عددهم كثير.. مر بنا قوله صلى الله عليه وسلم: رسم> أطت السماء وحق لها أن تئط, ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم, أو راكع أو ساجد متن_ح> رسم> الأطيط هو: صوت الرحل إذا كان عليه حمل ثقيل. الرَّحْلُ هو: الأعواد التي تجعل على ظهر البعير, أشدة أو مسام, أو نحوها.. إذا كان الحمل ثقيلا على البعير فإنه يسمع له أطيط وأزيز من ثقل ذلك الحمل، فشبه صلى الله عليه وسلم ثقل السماء بالملائكة بهذا الأطيط رسم> أطت السماء وحق لها أن تئط متن_ح> رسم> أي: لكثرة مَنْ عليها من الملائكة مِمَّنْ لا يحصي عددهم إلا الله؛ ما بين راكع أو ساجد أو قائم أو قاعد يعبدون الله تعالى, ويسبحونه, ويحمدونه, ويكبرونه, هذا مصداق قوله تعالى: رسم> وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ قرآن> رسم> .
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رسم> دخل البيت المعمور في السماء السابعة, وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك, يتعبدون فيه, ثم لا يعودون إليه إلى آخر الدنيا متن_ح> رسم> أي: في اليوم الثاني يدخله مثلهم، وهكذا في كل يوم يدخله هذا العدد.
قيل: إن هذا من سماء واحدة، وأن في كل سماء بيتا مثل ذلك, والله أعلم. ولكن هذا دليل على كثرة خلق الله تعالى من هؤلاء الملائكة؛ ولذلك سمعنا أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: رسم> لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا, ولبكيتم كثيرا, ولما تلذذتم بالنساء على الفرش, ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله متن_ح> رسم> .
وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم أطلعه الله تعالى على أهوال الآخرة, وكذلك على أحوال الملائكة, وعددهم, وكثرة عباداتهم, وخوفهم من الله, وتعظيمهم له, وتسبيحهم وتكبيرهم, وتهليلهم, وما يتقربون به. فأخبر بأنكم تحتقرون أعمالكم، ولو عملتم ما عملتم، إذا رأيتم عبادة الملائكة ودعاءهم وتسبيحهم وتكبيرهم, فإنكم تحتقرون أعمالكم، وتتصفون بهذه الصفات؛ لا تضحكون إلا قليلا رسم> لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا متن_ح> رسم> من شدة الهول, ومن عظم الفزع, ومما يتصوره الرائي والعالم من الأهوال في الدار الآخرة أو ما بعد الموت. ولما تلذذتم بالنساء على الفرش لن تتلذذوا بهم. ولخرجتم إلى الصعدات إلى أطراف الأرض وإلى أطراف البلاد تجأرون إلى الله أي: تدعون الله تعالى, وتحمدونه, وتخشونه, وتعملون كما تعمل الملائكة. إذا عرفت أن الملائكة يعبدون الله تعالى في كل الأحوال، وأن هذه عباداتهم.
هذه بعض أوصاف الملائكة, وبيان عددهم, وأنهم لا يحصي عددهم إلا الله، حتى قال بعض العلماء: إن كل قطرة من المطر ينزل معها ملك حتى يضعها في المكان الذي أُمِرَ بأن تقع فيه، ذلك -بلا شك- دليل على كثرتهم. وذلك لا تصل إليه أفهام البشر! تقصر علومنا, وتقصر أفهامنا عن أن نتصور ما هم عليه، وعن أن نتصور كيفيتهم, ومن أي شيء ماهيتهم.
ولكن نتحقق أنهم مخلوقون, وأن الله تعالى أعطاهم القدرة على التشكل؛ ولذلك فإن الملك -ملك الوحي- يتشكل، ينزل تارة في صورة بشر في صورة دحية الكلبي اسم> ونحوه وتارة يتمثل في صورة أعرابي, أو ما أشبه ذلك. ومع ذلك فإنه لا يمكن رؤيتنا له على هيئته التي خلق عليها، ولذلك لما أن المشركين تشددوا وطلبوا أن ينزل مَلَكٌ، قال الله تعالى: رسم> وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ قرآن> رسم> ثم قال: رسم> وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ قرآن> رسم> فهم تكلفوا: لماذا لَمْ ينزل ملك من السماء علينا؟ أخبر تعالى بأن الله تعالى لو أنزل ملكا لقضي الأمر, ثم لا يؤخرون, بل يعاجلون بالأمر, يعاجلون بالعقوبة. ثم أخبر بأنهم لا يقدرون على أن ينظروا إلى الملك, فلا بد أن الله تعالى يجعله في صورة بشر. يقول الله تعالى أيضا عنهم: رسم> قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا قرآن> رسم> ثم قال: رسم> قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا قرآن> رسم> أي: أن الملك يصير مرسلا إلى الملائكة، وأما البشر فإن الله يرسل إليهم بشرا مثلهم, يتمكنون من مخاطبته, ومن رؤيته, ومن معرفته, ومعرفة ما يبلغه حتى يتم التمكن. هذه سنة الله تعالى في خلقه، فهذا مما يؤمن به المسلم. يتحقق أن ما أخبر الله به, وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الملائكة أنه من الأمور الغيبية التي يؤمن بها, وإن لم يصل إلى تصورها قلبه وفهمه. والآن نستمع إلى القراءة.
مسألة>