الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
مسألة: حديث الأوعال
قوله:
( وروى أبو داود اسم> في سننه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رسم> إن ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا وكذا.. - وذكر الخبر إلى قوله - ... وفوق ذلك العرش، والله - سبحانه - فوق ذلك متن_ح> رسم> فهذا وما أشبهه مما أجمع السلف - رحمهم الله - على نقله وقبوله، ولم يتعرضوا لرده، ولا تأويله، ولا تشبيهه، ولا تمثيله.
سئل الإمام مالك بن أنس اسم> رحمه الله فقيل: يا أبا عبد الله اسم> رسم> الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى قرآن> رسم> ( طه:5 ) آية> كيف استوى ؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة، ثم أمر بالرجل فأُخرج ) .
شرح:
هذا الحديث يسمى حديث الأوعال، ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية اسم> في ( الواسطية )، ولما حصلت المناظرة بينه وبين الأشاعرة في دمشق اسم> وأرادوا أن ينكروا عليه، وكان مما استدل به هذا الحديث الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم خلْق المخلوقات، ثم قال في آخره: رسم> والعرش فوق ذلك، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه رسم> .
لما ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - السماوات ، وذكر البحار التي فوقها، وذكر الأوعال التي هي الملائكة الذين يحملون العرش، قال بعد ذلك: ( والعرش فوق ذلك ) يعني: فوق ظهور الأوعال، مع ذكره لعِظم خلقهم، والله فوق العرش دليل صريح بذكر الفوقية.
قالوا:إن الحديث في إسناده عبد الله بن عميرة اسم> وأنه لا يعرف إلا به، ولكن شيخ الإسلام اسم> يقول : إن هذا الحديث قد رواه كثير من الأئمة مؤيدين له ، ومن جملة من رواه إمام الأئمة ابن خزيمة اسم> في كتابه ( التوحيد ) المطبوع المشهور المحقق؛ ذكر في أول الكتاب أنه لا يروي إلا الأحاديث التي صحت وليس في أسانيدها طعن ولا انقطاع ، فهو روى هذا الحديث وسكت عنه ، وذلك دليل على ثبوته ، وفيه إثبات الفوقية أن الله - تعالى - فوق العرش رأس> الذي هو فوق المخلوقات، ولا دلالة أصرح من هذا الدليل .
رسم> والله فوق العرش ، وهو يعلم ما أنتم عليه رسم> يعني: أنه مع علوه، فهو - سبحانه - يطلع عليكم، ولا يخفى عليه منكم خافية، يعلم القريب والبعيد.
وآيات المعية، وآيات القرب كثيرة، وقد ذكر شيخ الإسلام اسم> أن ما ذكر في القرآن من علو الله تعالى وفوقيته لا ينافي ما ذكر من قربه ومعيته ؛ فإنه سبحانه لا يقاس بخلقه، وليس كمثله شيء، وهو عليٌّ في دنوه، قريب في علوه، نَصفه بأنه هو الأعلى وهو معنا، ومطلع علينا، يرى عباده ويعلم أحوالهم، كما في قوله تعالى : رسم> وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ قرآن> رسم> ( ق:16 ) آية> وفي قوله تعالى: رسم> وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ قرآن> رسم> ( الأعراف:7 ) آية> .
هذه الأدلة ونحوها أدلة صريحة في إثبات العلو، والأدلة كثيرة وقد مر بنا آيات الاستواء، وآيات ذكر السماء، وهذان نوعان من الدليل.
والدليل الثالث: آيات العلو كقوله تعالى: رسم> وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ قرآن> رسم> ( البقرة:255 ) آية> رسم> سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قرآن> رسم> ( الأعلى:1 ) آية> رسم> إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى قرآن> رسم> ( الليل:20 ) آية> رسم> إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا قرآن> رسم> ( النساء:34 ) آية> رسم> إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ قرآن> رسم> ( الشورى:51 ) آية> ونحو ذلك، فالعلو ثابت لله - تعالى - بجميع أنواعه؛ وأنواع العلو ثلاثة : علو القدر، وعلو القهر ، وعلو الذات, ومثله آيات الفوقية، مثل قوله تعالى: رسم> وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ قرآن> رسم> ( الأنعام:18 ) آية> رسم> يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ قرآن> رسم> ( النحل:50 ) آية> فإذا قال النفاة: إن قوله تعالى: رسم> وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ قرآن> رسم> إن الفوقية هنا فوقية الغلبة، يعني: الغالب فوق عباده، يعني: غالبًا لهم وقاهرًا لهم، وشبهوا ذلك بقول فرعون اسم> رسم> وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ قرآن> رسم> ( الأعراف:127 ) آية> وكذلك قالوا: إن العلو هنا علو الغلبة ، وعلو القهر، وقالوا: إن هذه شبيهة بقول فرعون اسم> رسم> أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى قرآن> رسم> ( النازعات:24 ) آية> الجواب أولاً: هذا لا يتأتى في آية: رسم> يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ قرآن> رسم> فإنه صريح في أن الفوقية ثابتة من فوقهم، ويمكن أن يصح في قوله: رسم> وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ قرآن> رسم> أنها فوقية القهر وفوقية الغلبة وفوقية القَدْر، ومع ذلك يلزم من فوقية القهر فوقية الذات ، فالله - تعالى - فوق عباده بذاته، والعلي بقدره ، والعلي بقهره، يعني: القاهر لهم، والذي هو فوقهم كما يشاء سبحانه وتعالى، ومثل ذلك آيات الرفع ؛ كقوله تعالى: رسم> وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ قرآن> رسم> ( فاطر:10 ) آية> رسم> إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ قرآن> رسم> ( آل عمران:55 ) آية> ونحوها، وآيات العروج قال تعالى: رسم> تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ قرآن> رسم> ( المعارج:4 ) آية> رسم> ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ قرآن> رسم> ( السجدة:5 ) آية> وآيات الصعود قال تعالى: رسم> إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ قرآن> رسم> ( فاطر:10 ) آية> ومثلها ما ذكر الله عن فرعون اسم> أنه أراد الصعود إلى السماء، قال تعالى في قصته: رسم> يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى قرآن> رسم> ( غافر:36-37 ) آية> لا بد أن موسى اسم> أخبره بأن الله في السماء ، ولو كان موسى اسم> أخبره بأن الله في كل مكان لما تكلف أن يبني الصرح، فهذا دليل على أن الله تعالى أمر موسى اسم> بأن يبين له ويعلمه أن الرب تعالى في السماء، فلذلك بنى الصرح محاولا أن يطلع على إله موسى اسم> .
مسألة>