كذلك أيضا إذا عرفنا أنه خلقنا لعبادته، فإن العبادة لا تُسَمَّى عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تُسَمَّى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشِّرْك في العبادة أفسدها، كما أن الْحَدَث إذا دخل في الطهارة أفسدها، إذا أحدث انتقض وضوء الإنسان؛ فسدت صلاته؛ فعليه أن يجدد الوضوء.
فكذلك إذا دعا اللَّهَ تعالى، ودعا غيره من المخلوقات؛ فقد أفسد عبادته؛ حيث جعل مع الله معبوداتٍ أخرى، وذلك هو الشرك الذي يُحْبِطُ الأعمال، قال الله تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
.
ثم يُقَالُ أيضا: ما أَوَّلُ شيء فرضه الله عليك؟ فتقول: إن الله تعالى أرسل رسله بتوحيده وتَرْكِ عبادة غيرِهِ، قال الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ
.
كل الرسل جاءوا أقوامهم بقولهم: اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ
؛ أي اتركوا عبادة الطاغوت، والطاغوت: كُلُّ ما عُبِدَ من دون الله حَيًّا أو ميتا. اجتنبوه؛ يعني ابتعدوا عن عبادته، وابتعدوا عن تعظيمه بِأَيِّ نَوْعٍ من أنواع التعظيم، فهذه هي الحكمة التي خُلِقَ الإنسان لها:
اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ
.
ثم نَعْرِفُ أيضا أن العبادة التي أُمِرُوا بها تَعُمُّ كلَّ قُرْبَةٍ يُتَقَرَّبُ بها إلى الله، فمَنْ تقرب إلى غير الله بشيء من تلك القربات فقد أَشْرَكَ. فَمَنْ دعا غير الله فقد أشرك. إذا دعا اللَّه ودعا غيره جعل دعاءه مشتركا، فأصبح مشركا. والدعاء يَعُمُّ النداء؛ الذي هو دعاء المسألة، ويعم التعظيم؛ الذي هو دعاء العبادة.
فإذا مثلا رأيت إنسانا يَتَمَسَّحُ بقبر ولي من الأولياء، ويأخذ تُرْبَتَهُ يتبرك بها؛ فقل له: الله تعالى يقول: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا
فإذا قال: أنا ما دعوته ما قلتُ: أنتَ إلهي، ولا قلتُ: أنتَ ربي، ولا قلتُ: ارحمني، إنما تبركت بتربته، أو صليتُ عنده، أو تمسحتُ بقبره، أو بجدار القبر، أو بنصائبه؛ فنقول: هذا دعاء؛ لأنك دَعَوْتَهُ بلسان الحال، ما دعوته بلسانك، ما قلتَ: يا سيدي ارحمني ولكن تعظيمك له يُعْتَبَرُ دعاءً.
فنقول: إن على المسلم أن يكون دعاؤه كُلُّهُ لله؛ دعاء العبادة، ودعاء المسألة. دعاء العبادة هو: التعظيم، فهذا الذي جاء إلى قبر ولي، وخضع عنده، وتواضع وتذلل له، أليس يرجوه؟ لا شك أنه يرجوه، وأنه بلسان الحال يقول: يا وَلِيَّ الله إني جئتك لتشفع لي، أو تبارك في عمري، أو تبارك في مالي، أو تصير شافعا لي، أو تصير نافعا لي في دنياي وفي أخراي. أليس ذلك عبادة؟
إن هذا دعاء، وإنه عبادة؛ لأنه تذلل له؛ إذًا:
فَكُـلُّ مـن دعـا معـه أحـدا | أشـرك باللـه ولــو مُحَمَّـدا |
ولأجـل ذا ضحى بجعد خالد القسـري | يـــوم ذبـــائح القربــــان |
شَكَرَ الضَّحِيَّـةَ كُـلُّ صَـاحِبِ سُـنَّةٍ | لِلَّــهِ دَرُّكَ مِـنْ أَخِـي قُرْبَـــانِ |