إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
106893 مشاهدة
مجمل البدع المصاحبة لأعمال الحج

صلى الله عليه وسلم إلا تلك المرة لما طافها المشركون وحاولوا أن يقتلوه، فعند ذلك ذهب واختبأ هو وصاحبه قال الله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ .
فالغار الآن الذي في أعلى الجبل قد أصلح له درج في العهد التركي في عهد الدولة التركية، وكانت الدولة تحرص على أن تظهر ما يكون بدعا، تتمدَّح به أنها خدمت، وأنها أنفقت وأنها وأنها.. فجعلوا له درجا؛ أكثر من ألفي عتبة في الجانب الغربي من الجبل ، ولا شك أن هذا من الإنفاق في ما لا فائدة فيه.
كذلك الذين يصعدون إلى جبل الرحمة تشاهدونهم في يوم عرفة بالأمس، وهم على ذلك الجبل حتى كأن الجبل سحابة بيضاء من كثرة الذين يصعدون عليه، لم يأت دليل على صعوده، ولم يسمَّ في ذلك الوقت بجبل الرحمة وإنما كان يعرف بجبل إيلان... هكذا اسمه الإيلان...
وأقول: إن هذه من البدع التي أضافها الجهلة إلى المشاعر، وعملوا عملا لم يكن عليه دليل، يدخلون في قوله -صلى الله عليه وسلم- من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد أي مردود عليه فلا يقبل منه.
كذلك أيضا نقول: الذين يعتقدون أن لكل شوط دعاء خاص هذا أيضا لا دليل عليه. الأشواط: أشواط السعي، وأشواط الطواف لم يحدد فيها دعاء معين، فمن دعا بأية دعوة من القرآن، أو من السنة، أو من الأدعية المفيدة كفاه ذلك.
فأما اعتقاد أن هذا دعاء الشوط الأول، وهذا للشوط الثاني، وهذا للثالث لا دليل على ذلك من السنة؛ بل يدعو بما تيسر له، وكذلك ما في هذه الكتيبات دعاء المقام ودعاء الملتزم ودعاء الحجر ودعاء السعي، ودعاء الرمي، ودعاء المروة والدعاء في عرفة وما أشبه ذلك. نقول: هذه أدعية لا بأس بها، ولكن اعتقاد أن هذا الدعاء يكون خاصا بهذا المكان هذا من الاعتقاد الخاطئ. فلا يجوز هذا الاعتقاد؛ بل يدعو بما تيسر وبما حصل له.
هكذا أيضا. هذا ما يتعلق بالبدع القولية والفعلية. لا شك أيضا أن من البدع القولية التوسل بالمخلوقات، فمثلا: الذين في طوافهم، أو في وقوفهم يدعون أحدا من المخلوقين يعتبرون قد أشركوا.
فأنا قد سمعت قبل سنين جماعة يطوفون في الشوط الأول وكله دعاء لعلي وفي الشوط الثاني دعاء للحسن وفي الثالث يدعون الحسين وفي الرابع يدعون زين العابدين وفارقتهم ولا أدري ماذا جعلوا في الخامس وما بعده، ولا شك أن هذا شرك أحبطوا به عملهم.
وكذلك أيضا سمعناهم يدعون عليا بخيمة في عرفة استمروا يدعونه أكثر من ساعة: يا علي يا زوج البتول، يا أبا الحسنين، يا خليفة الرسول، يا صاحب العهد، وصاحب الميثاق، وهكذا أي لمدة ساعة أو أكثر. لا شك أيضا أن هذا يحبط الأعمال؛ لأنه من الشركيات.
الشرك كما أنه في الأعمال فكذلك أيضا في الأقوال. الذي يريد أن يُقبل عمله يخلص الدعاء لربه، فيدعو الله تعالى، ويتوسل إليه بأسمائه التي أمر بها، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا أي توسلوا إليه بأسمائه، ولم يقل: ادعوا مخلوقا، لم يقل: ادعوا فلانا أو فلانا؛ لا نبيا ولا ملكا ولا وليا ولا صالحا؛ بل الدعاء لله -سبحانه وتعالى-.
كما نرى بذلك في قوله تعالى في قوله - عز وجل - ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ فهكذا يكون العابدون لله تعالى الذين يدعونه؛ يدعونه وحده، ويتركون دعاء وعبادة أية مخلوق سوى الله -عز وجل- فهذا مما يحبط الأعمال.
كذلك أيضا نقول: إن علينا أن نتبع نبينا -صلى الله عليه وسلم- فيما فعله، وكذلك أيضا نمتثل الأوامر التي أمرنا الله تعالى بها، أمرنا الله بالذكر في قوله تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ وهي أيام العشر، آخرها اليوم العاشر، ثم قال بعد ذلك: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ وهي الثلاثة التي بعد العيد أولها الليلة؛ الليلة الحادية عشرة وما بعدها إلى مساء اليوم الثالث عشر، هذه الأيام المعدودات التي أمر الله تعالى أن...
فنذكر لذلك أمثلة. فنقول: أولا: ذكر الله تعالى المطلق. أي أن يكون الإنسان دائما يلهج بذكر الله كما أمر بذلك، قال الله تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ أي في كل حالاتهم، وقال تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ هكذا أمر الله تعالى بذكره، وهكذا قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا فهذا من ذكر الله تعالى في هذه الأيام المعدودات؛ أن يكون الإنسان لهجا بذكر الله.
وقد قيل أيضا: إن من ذكر الله تعالى إظهار التكبير. أي: التكبير المطلق، واستدل بأن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في أيام التشريق يجلس في خيمته في الضحى ثم يكبر؛ يرفع صوته بالتكبير، فيكبر أهل الخيام الذين حوله، ثم يسمعهم الذين وراءهم فيكبرون، ثم يسمعهم من وراءهم ويكبرون حتى ترتج منى تكبيرا، ويكون ذلك داخلا في الذكر؛ الذكر الذي أمر الله تعالى به.
كذلك أيضا من الذكر؛ الذكر بعد الصلوات، ويسمى التكبير المقيد، كلما صلينا صلاة في جماعة رفعنا أصواتنا بالذكر: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، فهذا الذكر المقيد أو التكبير المقيد، الذي عقب الصلوات يبدأ بالنسبة للحجاج من الظهر؛ ظهر يوم النحر، ويستمر إلى عصر اليوم الثالث عشر. وبالنسبة إلى أهل القرى يبدأ التكبير المقيد من فجر يوم عرفة وينتهي بنهاية أيام التشريق فهذا من الذكر.
ومن الذكر أيضا الذكر عند رمي الجمرات، ومن الذكر الذكر عند الرمي، في الحديث الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله دل على أن الرمي شرع لذكر الله تعالى، وليس مشروعا إلا مجرد الاتباع.
وما يعتقده بعض الناس أن هذا الرمي ضرب للشيطان، وأنهم يرجمون الشيطان. هذا اعتقاد خاطئ؛ إنما نفعل ذلك من باب الاتباع، وإن كان قد ورد في بعض الأحاديث؛ في حديث بالمسند، وغيره مرفوعا:( أن إبراهيم لما أراد أن يذبح ولده إسماعيل اعترض له الشيطان عند الجمرة الكبرى فرجمه إبراهيم ثم بعد ذلك جاء إلى إسماعيل عند الجمرة الوسطى فرجمه إسماعيل ثم جاء إلى أم إسماعيل التي هي هاجر ووسوس إليها فرجمته)؛ فجعل الرجم في هذه الأماكن تذكرا لعداوة الشيطان، ولكن ليس هو رجم حقيقي للشيطان؛ فإن الشيطان لا نراه، قال الله تعالى: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ نحن لا نراه، وهو أيضا ليس له جسم محسوس. الشياطين أرواح بدون أجسام تقوم بها، وكذلك الملائكة والجن: أرواح من خلق الله تعالى ليس لهم أجساد، وموتهم كما يشاء الله تعالى.
وإذا كان كذلك فإننا نفعل هذا اتباعا أي: رمي الجمار نفعله اتباعا لما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ يعني من باب الاتباع والطواعية، والعمل بما عمله النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ولو كان هذا الرجم يضر الشيطان لرجم بحجارة كبيرة. النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ركب راحلته، وهو في مزدلفة قال لابن عباس ناولني سبع حصيات يقول: فالتقطت له حصيات مثل حصى الخذف. أي: الحصيات التي يقذف بها أي: بين الأصابع، فنفضه من يده، وقال: بمثل هذا فارموا يا عباد الله، وإياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين .
فهذا من باب الاتباع. فالذين –مثلا- يرمون بحجارة كبيرة، أو يرمونه بالأحذية لا شك أنهم غير متبعين؛ بل مبتدعون، وأنه على هذه البدعة تُفرح الشيطان أي: لأنها تحبط العمل، أو تقلل من أجره، تفرحه إذا خالف الإنسان ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ولأن شريعة الله تعالى وسط بين الغالي والجافي. فأهل الغلو-مثلا- الذين يرمون بحجارة كبيرة كبعر الإبل أو كملء اليد؛ هؤلاء أهل غلو. أهل الجفاء هم الذين يرمون بحجارة صغيرة مثل حب الدخن، أو مثل حب البر، هؤلاء أيضا قد لم يتبعوا، قد نقصوا فنقول: إن الإنسان عليه أن يتبع، ولا يبتدع. هذا من جملة الذكر.