إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
107557 مشاهدة
التذكير بنعمة الإسلام والتحذير من نواقضه

الحمد الله رب العالمين. وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نِعَم الله علينا كثيرة، وتحتاج إلى أن نشكر الله على ما أنعم حتى يزيدنا من فضله فقد تأذن بالزيادة لمن شكر فقال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ .
فمن نعم الله أن هدانا للإسلام، أن جعلنا مسلمين. قد حُرِمَ هذه النعمة خلق كثير اختاروا غير الإسلام من الأديان الباطلة التي سموها أديانا وهي ملل منحرفة. فالذين هداهم الله للإسلام قد فضلهم، وأنعم عليهم نعمة عظمى حيث إن الإسلام هو الدين الذي اختاره الله تعالى، ورضيه لعباده لقوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا .
امتن عليهم بأن أتم عليهم نعمته، ورضي لهم هذا الإسلام دينا وهو الدين الصحيح الذي مدحه بقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وبقوله: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ؛ ولكن هناك الكثير والكثير الذين يتسمون بأنهم مسلمون، وليس معهم إلا مجرد التسمي، يكتب في هوية أحدهم الديانة أنه مسلم؛ ولكن ليس معه الدين الصحيح، أو الإسلام الصحيح.
ولا شك أن هذا من الحرمان، من علامة الحرمان كونه يصير مسلما بالاسم، ولا يحقق ما هو منتم ومنتسب إليه.
فهناك القبوريون الذين يدعون الأموات، ويتوكلون عليهم، ويدعونهم من دون الله تعالى ويقولون: نحن مسلمون؛ لأنا نأتي بالشهادتين، ونصلي، ونصوم ونحج.
فالجواب أن نقول: إن إسلامكم قد انتقض بما فعلتم من دعائكم غير الله فقد جعلتم مع الله آلهة أخرى، وهذا الفعل يبطل أعمالكم، ويحبطها؛ لأنه شرك بالله تعالى. وقد قال الله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ وقال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
بين أن هذا الشرك يحبط أعمالهم ولو كانت ما كانت فتبطل صلواتهم، ولا تنفعهم شهاداتهم، ولا تنفعهم صلواتهم، ولا صومهم، ولا حجهم؛ بل هو باطل كما ذكر الله تعالى أن أعمالهم لا ثواب لها. يقول الله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا .
أعمال هؤلاء المشركين شبهها الله تعالى بالهباء المنثور الذي هو شبيه بالدخان، أو بالغبار متى يجتمع. وشبه الله تعالى أجر أعمالهم بالرماد الذي تسفوه الريح، في قول الله تعالى: أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ .
متى يجتمع مع صفة هذه الريح -متى يجتمع- ذلك الرماد؟! لا شك أن ذلك دليل على أن هؤلاء أبطلوا أعمالهم بهذا العمل والعياذ بالله.
كذلك أيضا الذين انحرفوا في الاعتقاد. الذين أنكروا أسماء الله تعالى وصفاته، أو ادعوا أن كلام الله مخلوق، أو قالوا: إن الله لا يتكلم، وليس بسميع ولا بصير ولا قدير ولا عليم، نفوا صفات الله وأسماءه التي هي صفات كمال وأسماء حسنى.
نفوا ذلك وأبطلوها وصاروا يعتقدون ذلك، ويدينون به، وينكرون على من أثبت ذلك الذي أثبته الله تعالى، وأثبته نبيه ويدعون أن من أثبت ذلك فإنه مُشَبِّه وإنه، وإنه.
ولا شك أن هؤلاء أيضا يتنقصون الله تعالى؛ ولأجل ذلك نزه الله تعالى نفسه عما يقول هؤلاء بقوله: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ يعني: من صفات النقص.
لا شك أن هؤلاء قد تسموا بأنهم مسلمون، ولو قالوا: لا إله إلا الله، ولو صلوا، وصاموا، وحجوا فإن أعمالهم لا تفيدهم حيث إنهم أتوا بما يبطلها من هذا الاعتقاد السيئ. هذه العقيدة المنحرفة نعوذ بالله منها.
كذلك أيضا الذين ابتدعوا بدعا كبيرة مثل بدعة الذين يكفرون الصحابة ويسبونهم، ويدعون أن لهم قرآنا غير قرآن المسلمين، وأنهم مستغنون عن قرآننا، ويدعون أيضا أن صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- قد انحرفوا وكفروا بعد موته، وأنهم كلهم مرتدون ولا يقبلون بشيء من السنة التي رواها أولئك الصحابة.
لا شك أنهم قد أبطلوا أيضا إسلامهم ولو ادعوا أنهم مسلمون. وكذلك الآن البدع الجديدة التي كثرت وانتشرت ويتسمى أهلها أنهم مسلمون؛ فيقولون أو يفتخرون بأن هؤلاء دروز، وأن هؤلاء نصيرية، وأن هؤلاء بعثية وأن هؤلاء بريداوية..، وأن هؤلاء جيبندية..، وأن هؤلاء وهؤلاء.
هؤلاء كلهم يقولون: إنهم مسلمون؛ ولكن هل هم مسلمون صحيحا؟ لا شك أنهم مبتدعون، وأن بدعهم قد تخرجهم من الإسلام الصحيح، أو تجعلهم على طرف، ليسوا مع المسلمين حقا.
أما أهل هذه البلاد فإنهم- والحمد لله- من الله عليهم بالإسلام فهذا هو الإسلام الصحيح، ومن عليهم بتحقيق التوحيد الذي هو إخلاص العبادة لله؛ فلا يعبدون إلا الله، ولا يتقربون إلا إليه، ولا يدعون غيره، ويخافونه، ويرجونه كما وصفهم بقوله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا يرجونه ويخافونه ويدعونه وحده، يعملون بقول الله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ يدعونه ويسألونه، يعرفون أنه ربهم وخالقهم، وأنه مالكهم والمتصرف فيهم وحده، وأنه المستحق للعبادة؛ فيعبدونه ولا يشركون به شيئا،عباداتهم كلها لله تعالى.
لا شك أنها نعمة عظيمة وأي نعمة؟! نعمة الإسلام الصحيح، ونعمة التوحيد، ونعمة العقيدة السليمة. كذلك أيضا نعمة الأمن والرخاء، نعمة المال والبنين، نعمة الصحة والفراغ.
نعم الله علينا كثيرة، يجب علينا أن نعرف حق الله علينا فإنه ما أنعم علينا بهذه النعم إلا فضلا منه وكرما. ولا شك أن له على العباد حقوقا؛ ولذلك ثبت في الحديث قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا أي: هذا هو الذي خلقهم لأجله وأوجدهم كما في قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ أي: يخصوني بالعبادة.
فإذا عرفوا حق الله عليهم فإن عليهم أن يعبدوه وحده. وإذا شكروه على نعمه، ودعوه وحده، وأخلصوا له الدين، ولم يشركوا به، ولم يعصوه وأطاعوه حق الطواعية؛ فإنه –سبحانه- يزيدهم من نعمه كما وعد بذلك لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ فيزيدهم أمنا إلى أمنهم، ويزيدهم صحة، ويزيدهم مالا وبنينًا، ويزيدهم عملا صالحا مبرورا، ويقبل أعمالهم ويثيبهم ويجازيهم في دنياهم وفي أخراهم كما وعد بذلك في قول الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً يعني: هذا جزاؤه في الدنيا، وفي الآخرة لهم الأجر في الآخرة وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فأخبر تعالى بأنه يحييهم حياة طيبة. وهذه الحياة الطيبة هي سعادتهم وطمأنينتهم في دنياهم، وكذلك أيضا راحة قلوبهم، وراحة أبدانهم ونعيمهم وسرورهم وطمأنينتهم لا شك أنها هي الحياة الطيبة.