جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
107766 مشاهدة
المرتبة الأولى: الإسلام

أما الحديث الذي بعده فهو حديث أركان الإسلام، وأركان الإيمان، والإحسان.
بيّن فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الإسلام يتكون من هذه الخمس؛ يعني: علامات المسلم الظاهرة أن يأتي بهذه الأركان الخمسة.
إذا أتى بها عرفنا بأنه من المسلمين؛ ولكن إسلامه ظاهر؛ لا بد بعد ذلك أن يؤمن الإيمان الباطن بأركان الإيمان الستة.
فأركانه خمسة كما تعرفون: الشهادتان، والصلاة، والزكاة ، والصوم، والحج.
هذه أركان الإسلام؛ متى حافظ العبد عليها، فإننا نقول: هذا مسلم؛ أي: مستسلم مذعن منقاد متواضع، مسلم أمره لربه هذا حقيقة الإسلام.
المسلم هو الذي يكون منقادا لأمر الله تعالى؛ فيعرف أن الله ربه؛ فيقول: ربي الله، وهو إلهي، وهو معبودي، ليس لي معبود سواه.
كذلك –أيضا- يعرف أن الله تعالى هو مالك الملك، وهو المدبر لكل شيء؛ فيقبل على عبادته، ويصد بقلبه عن غير ربه، هكذا.
وكذلك –أيضا- يشهد لمحمد -صلى الله عليه وسلم- بأنه مرسل من ربه، بأنه رسول الله؛ أرسله إلى الناس كافة، وأمره أن يكون بشيرا ونذيرا، ويعرف أن طاعته فرض عليه.
هذا معنى الشهادتين، هذه الركن الأساسي. أركان الإسلام خمسة؛ الشهادتان، وهي الأساس، والأركان الأربعة هي المكملة.
مثلا نقول: هذا المسجد مكون من أساس وسقف، ومكون من أربعة حيطان متقابلة.
فالأساس والسقف هو الشهادتان، لا يمكن أن البناء يكون على الهواء. الذي يريد أن يبني؛ ما يبني على الهواء، لا بد أن يبني على قرار على أساس.
وإذا بنى فإن البناء لا يتم إلا أن يسقف. إذا كان مكشوفا تدخله الشمس، والحر، والبرد، لم ينتفع به. وإذا كان له أساس وله سقف؛ فلا بد أن تتم أركانه الأربعة المتقابلة.
فلو كان منهدما أحد جوانبه دخلته السباع، ودخلته الحشرات، ودخله اللصوص، ودخله قطاع الطريق؛ فلا ينتفع به إلا إذا تمت حيطانه.
هذه هي أركان الإسلام حقيقة. ركن الشيء جانبه الأقوى، أو ركن الشيء جزء ماهيته.

..أن يحرص كل الحرص على أن يأتي بهذه الأركان، يحقق معنى لا إله إلا الله، يعمل بها حقا؛ فيكون الله تعالى هو معبوده، ويدعوه وحده، يرجوه ويخافه، ويحبه.
يقول ابن القيم
وعبـادة الرحـمن غايـة حبـه
مـع ذل عارضـه همـا قطبـان
وعليهمـا فـلك العبـادة دائـر
مـا دار حـتى قامــت القطبـان
ومـداره بـالأمر أمر رسولـه
لا بالهـوى والنفـس والشيـطان
فهكذا تكون العبادة، أن الإنسان يعرف أن الله تعالى هو ربه؛ فيعبده وحده، ويترك عبادة ما سواه.
ويعرف أن محمدا نبي الله- عليه الصلاة والسلام-؛ فيتبعه ويطيعه. إذا كان كذلك؛ فإنه ممن حقق هاتين الشهادتين.
بعد ذلك يأتي بالأركان الأربعة وأهمها الصلاة، الصلاة التي فرضها الله تعالى، وجعلها أحد أركان الإسلام، أو جعلها عمود الإسلام، وأخبر بقوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ فهي ناهية عن الفحشاء والآثام.
وسميت صلاة؛ لأنها صلة بين العبد وبين ربه، كأنه في كل وقت من أوقاتها يتصل قلبه بربه.
فهذه الصلاة هي فريضة الله تعالى، وهي أهم أركان الإسلام العملية.
بعد ذلك أداء الزكاة التي هي قرينة الصلاة في كتاب الله، والتي هي حق في أموال الأثرياء. قال الله تعالى: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ أي: حق واجب، حق معلوم.
بعد ذلك صوم رمضان، الصوم- أيضا- ركن من أركان الإسلام، فرضه الله تعالى، وأمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته، وبين ماذا يصومون عنه؟
بعد ذلك الحج؛ ركن من أركان الإسلام، ولكن ما فرضه الله تعالى إلا على مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فرض على من استطاع إليه سبيلا.
وذلك لأن الله علم أن من خلقه من يعجز عن أداء هذا الحج؛ لبعد المسافة، أو للفقر والفاقة، أو للعجز والمرض؛ فجعل هذا الفرض واجبا على المستطيع؛ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا .
وكذلك في الحديث؛ لما قال جبريل عليه السلام: أخبرني عن الإسلام. قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا .
فهكذا أخبر بأن الحج إنما هو على المستطيع.
كذلك- أيضا- الحج إنما هو مرة واحدة في العمر؛ ولكن الزيادة منه أجرها كبير. فرضه الله مرة في العمر.
النبي -صلى الله عليه وسلم- ما تيسر له الحج إلا مرة واحدة؛ وذلك لأنه كان بمكة قبل أن يفرض الحج، ولما خرج من مكة منعه المشركون أن يحج.
في سنة ست جاء ليعتمر فصدوه، قال تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .
في سنة سبع مكنوه ثلاثة أيام من العمرة؛ أن يدخل ويعتمر ثلاثة أيام.
في سنة ثمان اشتغل بعد الفتح بالغزو؛ حيث غزا الطائف وغزا هوازن، ولم يتمكن من الحج.
في سنة تسع كان المشركون يحجون، وأحب أنه لا يحج، وأرسل أبا بكر ؛ فحج بالناس، وأمره أن يقول للناس هو ومن معه: إنه لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة. ومن كان له عهد عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؛ فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فله أربعة أشهر هذا سبب تأخره.
في سنة عشر تمكن من الحج وأدى حجة الوداع. هذه أركان الإسلام.