من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
106801 مشاهدة
بحث في: منافع الحج

نسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل حجنا مبرورا، وذنبنا مغفورا، وسعينا مشكورا.
أيها الإخوة في الله نستضيف في هذا اليوم. اليوم الحادي عشر فضيلة الشيخ العلامة الوالد الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين ؛ ليحدثنا عن موضوع منافع الحج، أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى والصفات العلا أن ينفعنا وإياه بما نسمع ونقول، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبعون أحسنه، ونترك المجال لفضيلة شيخنا. وبعد -إن شاء الله تعالى- الكلمة. أي عن منافع الحج سيكون -إن شاء الله- تداول الأسئلة، هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعدُ:
إن للحج منافع وفوائد وعلامات تدل على أنه مقبول، وأنه مُؤَثِّرٌ ومفيد فيمن أتى بهذا الحج، قال الله تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ فمن منافع الحج التَّذَلُّلُ لله سبحانه وتعالى؛ وذلك لأنهم إذا أحرموا وكشفوا رءوسهم، وتَجَرَّدُوا عن ثيابهم المعتادة كان ذلك من أسباب تذللهم واستضعافهم لربهم -عز وجل- ومن أسباب خضوعهم وخشوعهم وإنابتهم، فهم يكونون متذللين مهطعين مقنعي رءوسهم، خاشعين لربهم.
إذا حصلت هذه الذِّلَّة فإن الله تعالى يرفعهم ويُعِزُّهم؛ وذلك لأنَّهُ يرفع المتواضعين له، في الحديث: أن من تواضع لله رفعه، ومَنْ تَكَبَّرَ على الله وضعه فالْمُحْرِمُ في حالة إحرامه متواضع؛ حيث إنه يشعر بأنه ذليلٌ لربه، وأنه مملوك لله -سبحانه وتعالى- وأنه مَرْبُوبٌ، فَيُعَظِّمُ ربه -عز وجل- فيعظمه بأسمائه وبصفاته، ويعظمه بآياته، ويعظمه بأسمائه.
وكذلك أيضا بما اتصف له فيعظم الله تعالى، وإذا عظم قدر ربه في قلبه صَغُرَتْ عنده نفسه، وصغرت عنده الدنيا، وصغر عنده الخلق كلهم، ولم يبقَ في قلبه إلا الرب سبحانه وتعالى، فهذا التواضع من فوائد الحج.
كذلك أيضا من فوائد الحج: أن الْحُجَّاج ينظر بعضهم إلى بعض، ويتنافسون؛ وذلك لأنه يشاهد خلقا كثيرا جاءوا من كل فج عميق، قصدهم هذه المشاعر وهذه المناسك، قصدهم هذه العبادة، فيشاهد من جاء من ألف كيلو، أو من ألفين، أو من ستة آلاف، أو من عشرة آلاف، وقطعوا هذه المسافات حُبًّا لهذه البقاع، وحُبًّا لهذا البيت العتيق جاءوا إليه من أماكن بعيدة، ويشاهدهم وهم يبكون شَوْقًا إلى هذه المشاعر، ويبكون أيضا في حالة وقوفهم وطوافهم وسعيهم وخشوعهم وعباداتهم، وذلك مما يحمل المسلم على المنافسة، والمسابقة إلى الخيرات؛ لأنه إذا رآهم وهم خاشعون خاضعون، يدعون الله تعالى ويذكرونه شعر بأنه يريد مثلما يريدون، وأنهم تعبوا أكثر من تعبه، ولقوا مشقة وصعوبة، ولكن تلك المشقات صارت سهلة عندهم، صارت لذيذة، حيث إنها في سبيل الله، وأنها في رضا الله -عز وجل- فيحصل بذلك المنافسة إلى الخيرات، بمعنى أنهم يصيرون جميعا يتسابقون، فكل منهم يحرص على أن يكون أكثر خشوعا، وأكثر عملا، وأكثر ذِكْرًا، وأكثر تلاوة، وأكثر دعاءً، وكل ذلك مما يحبه الله؛ لأنها منافسة في الخير، ليست منافسة في الأمور الدنيوية.
جاء في حديث أو جاء في أثر: (إذا رأيتَ مَنْ ينافسك في الدنيا فنافِسْهُ في الآخرة) أكثر الناس يتنافسون في الدنيا، فيتنافسون مثلا في كثرة الأموال، ويتنافسون في كثرة الأولاد، ويتنافسون في العشائر والقبائل، كما في قول الله تعالى عن الكفار: وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ فقال الله تعالى لهم: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى فهؤلاء تنافسوا بالأموال والأولاد.
وكذلك الذين يتنافسون بِعِزَّتِهِمْ وقوتهم، كما قال الله تعالى عن بعضهم أنهم قالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ؛ يعني ظنوا أنهم لبطشهم وشدتهم لا يُغْلَبُون، فقال الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً فكانت هذه منافستهم بكثرة القوة. بكثرتهم وقوتهم، وكذلك أيضا تنافسهم بكثرة أفرادهم وغير ذلك، وتنافسهم بشرف آبائهم، وشرف أجدادهم وحَسَبِهِمْ، وافتخارهم بكرم أصولهم، كُلُّ هذا مما يتنافس فيه أهل الدنيا.
وأما في هذه المشاعر فإن الأصل أنهم يتنافسون في الآخرة: ( إذا رأيتَ مَنْ ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة ).
لَمَّا ذكر الله تعالى ثواب الجنة بعد قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ إلى قوله: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ أي في هذا النعيم، وفيما ذكر الله تعالى من ثواب أهل الجنة، يتنافس المتنافسون، فتنافُسُهُمْ يكون بكثرة الصالحات، فكثرة الخشوع، وكثرة الدعاء، وكثرة التلاوة، وكثرة الذكر، وكثرة التكبير والتسبيح والتحميد والتهليل هذا من منافع الحج التي يتنافس المتنافسون فيها.
كذلك نقول: إن من فوائد الحج، وإن من منافعه التأثر بهذه الأعمال الصالحة؛ وذلك لأن الْمُحْرِم تقرب إلى الله تعالى بترك المألوفات، لما أحرم ترك ما كان يألفه، فترك لباسه الذي يتجمل به، وترك تغطية رأسه، وهو مما يُتَجَمَّلُ به، ثم ترك أيضا ملذات الدنيا، كالطيب، والنكاح، وما أشبهه. كل ذلك طاعة وطواعية لربه -سبحانه وتعالى-. ولا شك أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ولو كان ترك هذه الملذات وما أشبهها تركا مؤقتا، تركا محددا وقته، ولكن له آثار؛ فإنها تبقى عليه آثار هذه العبادة التي هي الأعمال الصالحة آثارها.
كذلك أيضا آثار الطواف، والسعي والوقوف والرمي والحلق أو التقصير، وآثار الذكر بأنواعه. هذه العبادات لها آثار، فإذا كان الحج مقبولا ظهرت آثارها.
من فوائد الحج، ومن فوائد هذه العبادة: ظهور آثارها على أهلها. فنقول: لا شَكَّ أن فوائد الحج الأخروية ما ذُكِرَ في الأحاديث التي تسمعون، وتتكرر عليكم، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: من حج هذا البيت فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه اشترط أنه يكون حَج. أي حجا كاملا ليس فيه خلل، اشترط أيضا أن يتجنب الفسوق والرفث تجنبا كاملا، وبُعْدًا كبيرا، وبشره بأنه يُكَفَّرُ عنه ما كان قد اقترفه، تُكَفَّرُ عنه سيئاته؛ ولو كانت كثيرة، فيرجع كيوم ولدته أمه. ولا شك أن هذا دليل واضح على فضل هذه العبادة.
الرفث: هو الكلام السيئ الذي يتعلق بالعورات.
الفسوق: هو المعاصي، يدخل في ذلك صغيرها وكبيرها. ولهذا عَمَّنَا الله ذلك بقوله: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ .
فهكذا نهى الله تعالى عن هذه؛ عن الرفث، والفسوق، والجدال، وفُسِّرَ الفسوق بأنه عمل الذنوب. المعاصي؛ ولو كانت من الصغائر؛ فإنَّ الفسق هو: الخروج عن الطاعة. الفاسق هو: الخارج عن طاعة ربه. الفاسق هو: الذي عصى الله تعالى؛ ولو كانت معصيته من الصغائر. فإذا تجنب الرفث والفسوق والمجادلة التي لا مُبَرِّرَ لها، والمخاصمة ونحوها فإنه عند ذلك يكون من هؤلاء الذين يُكَفِّرُ الله عنهم سيئاتهم، يرجع كيوم ولدته أمه أي: قد كُفِّرَتْ عنه ذنوبه ولو كانت كثيرة.
وتذكرون أيضا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وهذا أيضا خير كبير، وأجر عظيم. إذا كان الحج مبرورا فجزاؤه الجنة.