الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
121287 مشاهدة
استلام الحجَر والحكمة من تشريعه

السنة النبوية لذلك ما كان عمر -رضي الله عنه- يزاحم؛ لأنه قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- إني أراك قويا فلا تُزَاحِمْ على الْحَجَرِ، إن وجدت سعة فاستلم، وإلا فَكَبِّرْ وامضِ فكان لا يُزَاحم، وأما ابنه عبد الله فإنه كان يزاحم ويبقى إلى أن يُقَبِّلَ الحجر، أو يستلمه، وروى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن استلامهما يَحُطُّ الخطايا أي: استلام الركنين يحط الخطايا.
وروى عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما كان عند الحجر، وأخذ يستلم الحجر، قال: يا عمر هاهنا تُهْرَقُ العبرات، هاهنا تراق العبرات ؛ يعني أن هذا موطنٌ من مواطن البكاء لله سبحانه وتعالى، فقال: هاهنا تسكب العبرات فاستلام الركنين. الركن اليماني إذا قدر فإنه يستلمه بيده، بأن يضع يده عليه، ولا يُكَبِّرْ ولا يمسحه، ولا يتمسح به، ولا يقبله، إنما يستلمه بيده- كاستلام المسلم الذي يسلم عليه.
أما الركن الذي فيه الحجر الأسود، فإنه إذا قَدَر وضع عليه شفتيه من غير تصويت، فإذا لم يقدر عليه فإنه يستلمه بيده، ثم يُقَبِّلُ يده ، فإذا زُحِمَ وكان معه عصا مَسَّهُ برأس العصا، وقَبَّلَ العصا، فإذا لم يقدر فإنه يكبر ويمضي، ولا يلزمه أن يزاحم- إذا كان في الزحام مشقة أو تَعَرُّضٌ لملامسة النساء، أو ما أشبه ذلك.
وبذلك يكون قد عظم شعائر الله، مع علمه بأن هذا من شعائر الله تعالى. رُوِيَ عن ابن عباس أنه قال: الحجر الأسود يمين الله في الأرض، مَنِ استلمه أو قَبَّلَهُ فكأنما قبل يمين الله تعالى في الأرض . أي أن الله تعالى جعل هذا الحجر كشعار لمعاهدة العبد لربه، ومبايعته لربه. أي من استلمه فكأنه بايع ربه، وكأنه عاهد الله. على أي شيء تكون هذه المعاهدة؟ إنها معاهدة الله تعالى على ألا يعصيه، وعلى ألا يخرج عن طواعيته سبحانه وتعالى، وعلى أن يبقى على عبادته، ولا يعصيه. يقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ أي أن الذين يبايعون النبي -صلى الله عليه وسلم- يعاهدونه على ألا يُشْرِكوا، يعاهدونه على ألا يفسقوا، يعاهدونه على ألا يقتلوا، وألا يزنوا وألا يسرقوا وألا يعصوا الله تعالى في معروف، ولا يعصوا النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فكذلك الذين يستلمون الحجر، أو يشيرون إليه، يعتبرون أنفسهم كأنهم يبايعون الله، كأنهم يعاهدون ربهم، يقول أحدهم: يا رب، أعاهدك على أن أطيعك، أعاهدك على أَلَّا أخرج عن طواعيتك، أعاهدك يا ربِّ على أن أبقى على طاعتك وعبادتك مهما استطعت، فإذا وفى بذلك فقد أوفى: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا هكذا يكون المسلم، عليه أن يكون من الذين يعاهدون الله تعالى ويوفي بما عاهد الله عليه.
هكذا ذكروا أن الحكمة في تقبيله أن الله تعالى جعله بمنزلة يمينه الذي من بايعه، فكأنما بايع الله تعالى، وكأنما استلم يمين الله، أو عاهد الله تعالى؛ فلا بد أن يوفي بهذا العهد، وأن يبقى عليه.