تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. logo شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
145469 مشاهدة print word pdf
line-top
الاشتغال بذكر الله تعالى في الحج وتدبر معانيه

.. في أيام خلافته، وينزل في خيمة وسط منى فإذا كان في الضحى اجتهد في التكبير؛ رفع صوته بقوله: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، الله أكبر عدد ما هلل مهلل وكبر. وغير ذلك من العبارات.
وإذا كبر وسمعه أهل الخيام الذين حوله؛ كبروا. وإذا كبروا كبر من حولهم حتى ترتج منى تكبيرا. وكانوا يسكنون في خيام فيكبرون، يستمرون في التكبير ساعتين ثلاث ساعات أو أكثر من ذلك، وقد يكبرون في الليل وفي النهار؛ وذلك لأن ليس لهم عمل ولا شغل إلا ذكر الله؛ ولأنهم مأمورون بأن يكثروا من ذكر الله، وليمتثلوا الأمر بذكر الله تعالى قال الله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فيكثرون من ذكر الله تعالى.
يدخل في ذكر الله التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والحوقلة والاستغفار والدعاء؛ وذلك لأن الجميع يذكر بربنا، يذكر بالله تعالى وبعظمته وجلاله وكبريائه، فكل شيء يذكر بالله تعالى داخل في هذا الذكر.
وعلى الذي يذكر الله تعالى أن يستحضر معاني تلك الكلمات التي يتلفظ بها؛ فليس القصد من الذكر مجرد التلفظ بألفاظ جوفاء، لا يدري الذاكر ما معناها، بل عليه أن يتعلم مدلولها؛ فإنه هو القصد هو الأصل، فإذا قال: الله أكبر؛ فمعنى ذلك أن الله أكبر من كل شيء، وأن المخلوقات صغيرة حقيرة بالنسبة إلى عظمة الله تعالى، وأن الكبرياء له، وأنه المتكبر كما في قول الله تعالى: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ وقوله تعالى: هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ .
يعني: أن من أسمائه المتكبر، وأنه له الكبرياء كما قال تعالى: وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وإذا قال ذلك فإنه يتواضع بين يدي ربه؛ بمعنى أنه يعرف أنه ضعيف، وأنه ليس من أهل التكبر ولا من أهل التجبر، ولا من أهل الترفع، بل إنه ضعيف متضعف لله سبحانه وتعالى، فتصغر عنده نفسه، ويصغر عنده المخلوقون، ولا يبقى في قلبه إلا الرب سبحانه وتعالى، يتصور عظمة الله تعالى أنه أكبر من كل شيء، وأجل من كل شيء وأعظم من كل شيء. هذا هو القصد من تكرار لفظ الله أكبر.
كذلك إذا قال: لا إله إلا الله؛ حرص على أن يعرف مدلول لا إله إلا الله؛ وهو أن يعتقد أن الله تعالى هو الإله الحق، هو الذي تألهه القلوب وتحبه وتعظمه وتجله، وأنه لا إله غيره، وأن الإلهية له وحده لا تصلح لإله غيره، وأن كل الألوهية له؛ فيخاف ربه ويرجوه ويحبه ويعتمد عليه، ويتوكل على الله وبه يستعين وبه يستعيذ، وبه يستغيث، وله يخشع وله يخاف وله يحب، ويصرف جميع أنواع التأله لله تعالى، ويصد بقلبه عن غير الله تعالى، ولا يبقى في قلبه تعظيم لأية مخلوق، وبذلك يكون قد عرف الإلهية أنها حق الله تعالى، وأن كل من أله غيره أو عظم غيره، فإن إلهيته باطلة. هذا مدلول لا إله إلا الله؛ أي لا معبود حقا إلا الله، بل العبادة والإلهية لله وحده.
كذلك إذا قال: سبحان الله؛ استحضر أن الله تعالى هو الذي ينزه عن النقائص والعيوب. التسبيح التنزيه. سبحان الله؛ يعني أنزه الله وأقدسه.
كذلك إذا قال: الحمد الله؛ استحضر أن الله تعالى هو المستحق للحمد والمستحق للثناء، وهو أهل الحمد. الحمد هو ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله، وهو فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما على الحامد وغيره.
كذلك أيضا من التكبير: التكبير عند رمي الجمار. الذين يقيمون اليوم وغدا يرمون بعد زوال هذا اليوم، وكذلك يرمون بعد الزوال يوم الخميس. وهذا الرمي أيضا شرع لذكر الله تعالى، كما ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما شرع الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله تعالى فهذه الجمار التي نحن نرجمها؛ إنما ذلك لأجل ذكر الله.
وقد ورد في الحديث أن سبب الرمي في هذه الأماكن أن الشيطان اعترض لأبينا إبراهيم وإسماعيل وأم إسماعيل في هذه الأماكن؛ حتى يغوي إبراهيم وابنه وأمه. ولكن عصمهم الله تعالى؛ فكان رمي هذه الحجارة تذكرا لعداوة الشيطان؛ ولهذا يرى بعض العلماء أنه إذا رجم يقول: رضا للرحمن وغضبا أو سخطا للشيطان. وإن كان هذا لم يكن مشهورا؛ ومع ذلك فإنه يكبر إذا رمى كل حصاة يقول: الله أكبر الله أكبر؛ فكان الرمي سببا لذكر الله، به يتذكر المسلم عداوة الشيطان، وبه يتذكر كبرياء الله، أن الله تعالى أكبر من كل شيء، وأجل من كل شيء. هذا هو السبب في مشروعية هذا الرمي.
كذلك أيضا معروف أنه بعدما ينتهي من رمي الجمرة الأولى يقف بعدها يتنزع، ثم يستقبل القبلة، ثم يدعو دعاء طويلا، وهكذا إذا انتهى من رمي الجمرة الوسطى ابتعد أيضا عن الزحمة واستقبل القبلة ودعا دعاء طويلا، وهذا دليل على أنه يذكر الله؛ الدعاء ذكر لله تعالى في هذه الأماكن.

line-bottom