قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
108056 مشاهدة
المرتبة الثالثة: الإحسان

أما الركن الثالث: الذي هو الإحسان؛ أو المرتبة الثالثة، فذكروا أنها تنقسم إلى قسمين: عين المشاهدة، وعين المراقبة.
فسره النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك لا شك أن الذي يعبد الله كأنه يشاهد ربه؛ ماذا تكون عبادته؟ هل تكون ناقصة؟ هل يكون فيها غفلة؟ لا.
بل تكون كاملة؛ إذا استحضر بأنه أمام ربه، كأنه ينظر إلى ربه؛ فلا بد أنه يحضر قلبه، وأنه يحضر لبه، وأنه يجد ويجتهد في أمر الله تعالى، وأنه يكثر من دعاء الله ومن طاعته وعبادته.
فإذا كان كذلك صدق عليه أنه يعبد الله كأنه يراه؛ فإذا عجز، لم يتصور هذه الحالة؛ فماذا تكون حالته؟ يقول: فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
إذا لم تقدر على أن تستحضر أنك تعبد الله كأنك واقف بين يديه؛ فاعبد الله كأنه يراك. استحضر أنك بمرأى ومسمع من الله.
لا شك أن من استحضر ذلك؛ فإن الله تعالى يوفقه للأعمال الصالحة.
الإنسان إذا كان -دائما- يستحضر يقول: الله يراني، الله يطلع علي، الله يعلم ما في نفسي، الله لا يخفى عليه من أمري خافية؛ هل تصدر منه معصية والحال هذه؟!
ما تصدر، إنما تصدر المعاصي بسبب ضعف الإيمان بالله، أعلى المراتب مرتبة الإحسان، وبعدها الإيمان وبعدها الإسلام.
مثلوا؛ لو أن هناك دارا فيها ثلاث طبقات: الطبقة الأولى واسعة محاطة بحيطان من جهاتها؛ حشر فيها الناس كلهم؛ الذين يقولون: إننا مسلمون.
نظرنا؛ وإذا هؤلاء الناس الذين في هذا الحائط فيهم المبتدع، وفيهم العاصي، وفيهم ضعيف الدين؛ ضعيف الإيمان.
قلنا: هؤلاء كلهم يقولون: إنهم مسلمون. ولكن فيهم معطلة، وفيهم مشبهة، وفيهم جهمية، وفيهم رافضة، وفيهم قبوريون، وفيهم نصيريون، وفيهم بعثيون، وفيهم دروز، وفيهم إباضيون، وفيهم..
كلهم مجتمعون في هذا؛ ولكن نريد أن ننتقي منهم أهل العقيدة السليمة، أهل الإيمان الصحيح؛ أهل الإيمان القوي؛ فانتقيناهم وصعدنا بهم إلى الدور الثاني.
فيكون هؤلاء الذين في الدور الأرضي عموم المسلمين، والذين انتقيناهم هم المؤمنون. الذين في قلوبهم إيمان، والذين سلموا من البدع والمحدثات.
ولما انتقينا أهل الدور الثاني رأينا فيهم من عبادته عادية، ومن عبادته جيدة. انتقينا أهل العبادة الجيدة الذين يعبدون الله –دائما- لا يكلون ولا يملون؛ بل يصبرون ويتحمسون ويتحملون المشقات.
والذين صفت قلوبهم، والذين امتلأت قلوبهم بالإيمان، والذين عرفوا الله تعالى وعرفوا حقه عليهم.
قلنا: ننتقي هؤلاء من عموم المؤمنين؛ لأن المؤمنين الباقين فيهم عصاة، فيهم مخلون ببعض الطاعات، فيهم من يسمع الغناء- مثلا-.
وفيهم من يحلق لحيته، وفيهم من يسبل ثيابه، وفيهم من قد يتأخر عن صلاة الجماعة، وفيهم من قد يشرب دخانا، وما أشبه ذلك.
فنقول: هؤلاء فيهم أخلاط، وكلهم من أهل الإيمان بالله؛ ولكن ننتقي صفوتهم وخيارهم ونجعلهم في المرتبة الثالثة؛ فيكونون هم أهل الإحسان.
فأهل الإيمان الذين في الدور الأوسط. انتقينا خلاصتهم، وجعلناهم في الدور الأعلى؛ فهم المحسنون، فأهل الدور الثالث أهل المرتبة الثالثة نقول لهم: أنتم المحسنون، وأنتم المؤمنون، وأنتم المسلمون.
وأهل الدور الثاني نقول لهم: أنتم مسلمون ومؤمنون، ولم تصلوا إلى رتبة المحسنين. ونقول لأهل الدور الأول: أنتم مسلمون، ولا تصلون إلى درجة المؤمنين، ولا إلى رتبة المحسنين؛ بل يعمكم الإسلام.
فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا، وكل محسن مؤمن ومسلم؛ فأهل المرتبة الثالثة الذين هم الأعلى نقول: أنتم محسنون ومؤمنون ومسلمون.
فمن وصل إلى المرتبة الثالثة؛ فقد جمع الخصال الثلاثة، جمع الإسلام والإيمان والإحسان.
وأما من قصر- يعني الذين يقع منهم شيء من المخالفات وترك شيء من الطاعات؛ فإنهم مؤمنون ولكن لم يصلوا إلى رتبة الإحسان.
فهذه مراتب الدين، المرتبة الواسعة الإسلام، والمرتبة المتوسطة الإيمان، والمرتبة الضيقة والصغيرة والقليل أهلها الإحسان.
تعرفون هذا الحديث، فيه أن الملك جبريل - عليه السلام- جاء يعلم الناس دينهم.
لما كان الصحابة قد يخفى عليهم شيء من دينهم، وكانوا يهابون أن يسألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعند ذلك جاءه وعلمه.
فقال: أخبرني عن الإسلام، فأخبره بالأركان الخمسة. ثم قال: أخبرني عن الإيمان، فأخبره بالأركان الستة؛ أركان الإيمان الستة. ثم قال: أخبرني عن الإحسان فأخبره بهذه الرتبة الواحدة.
نكتفي بهذا، ما يتعلق بالسيرة؛ لعلنا نقرأه في آخر ثلاثة الأصول. معرفة النبي- صلى الله عليه وسلم-. نكتفي بهذا.
أسئـلة
س: الإخوان في هذا المسجد يصومون وهم سفر، يعني: أتوا من البارحة؛ فهل هذا -حفظكم الله- صواب؟ لأنهم يقولون: إن إذن الإقامة فيه أكثر من أربعة أيام.
هذا خير- إن شاء الله- بالنسبة للذين جاءوا مبكرين؛ يعني: جاءوا من أول الشهر، أو جاءوا من اليوم الثاني أو الثالث، يعرفون أنهم يقيمون اليوم الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن، يقيمون ستة أيام، أو يقيمون خمسة أيام، قبل أن يذهبوا إلى عرفة ففي هذا لهم أن يتموا.
وأما الذين ما جاءوا إلا في اليوم الخامس أو السادس نرى أنهم يقصرون؛ ولكن إذا صلوا مع الجماعة الذين يتمون أتموا معهم. من صلى مع المتمين لزمه الإتمام.
س: يقول السائل: لقد حججت أنا وزوجتي قبل عدة سنوات .. وقد طفنا طواف القدوم والسعي، وكذلك ذهبنا إلى منى والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ورمي الجمرات ، وأخرنا طواف الحج إلى طواف الوداع؛ ولكن زوجتي أهلها بمكة فأخرنا طواف الوداع إلى بعد سفرنا؛ حيث إنها أقامت عند أهلها أكثر خمسة عشر يوما ولم تطف؛ فقد نسينا ورجعنا إلى مقر عملنا؛ فماذا علينا؟
عليهم فدية إذا نسوا طواف الوداع؛ لأن كل من كان يريد أن يخرج من مكة يعني: الذين لا وداع عليهم هم أهل مكة ؛ لأنهم مقيمون.
فأما الذين لهم مكان في غير مكة وخرجوا؛ ولو أقاموا عشرة أيام أو خمسة عشر يوما بعد الحج، أو عشرين يوما ما يسقط عنهم طواف الوداع.
فإذا نسوه فعلى كل واحد منهم ذبح؛ ذبيحة تذبح لمساكين الحرم .
س: جزاكم الله خيرا. يقول السائل: جئت حاجا، وكان عهدي باليبت قديما ثلاثة أسابيع وقد تجاوزت الميقات بدون إحرام جهلا مني؛ وكنت في مسجد التمتع- والحمد لله- .. علي بالحج. ماذا يترتب على هذا العمل؟
نرى أنك تجاوزت الميقات بدون إحرام، من أحرم بعد ما تجاوز الميقات، أو أحرم من مكة وجاء لأداء الحج، أو لأداء العمرة؛ فعليه دم؛ حيث إنه تجاوز الميقات.
أما لو تذكرت لما وصلت إلى مكة قبل أن تحرم، ورجعت إلى الميقات وأحرمت منه، ولو في اليوم الثامن؛ فإن الدم يسقط.
أما إذا أحرم بعدما تجاوز الميقات فيثبت عليه الدم.
س: جزاك الله خيرا، يقول: هل على الحاج ممن يريد أن ينحر هديا كالمتمتع والقارن؛ هل عليه أن يمسك عن الأخذ من شعره وأظفاره من أول العشر؟
ليس عليه ذلك، إنما على الذي يضحي؛ إذا كان قد أوصى أن يضحى عنه في بلده، وأعطى الدراهم؛ فمثل هذا يمسك إلا إذا كان متمتعا، وانتهى من عمرته فإنه يقصر بعد العمرة للتحلل.
س: جزاك الله خيرا. يقول: هل طواف يوم النحر يلزم مع السعي؟ أو وهل يمكن أن يؤخر السعي والطواف حتى نهاية ... ؟
يمكن تأخيره إذا كان الإنسان في عمل، عمله في حدود مكة يشق عليه أنه يترك عمله ليذهب إلى الطواف والسعي؛ فيمكنه أن يؤخره وفي الإفاضة والسعي ولو عشرة أيام بعد العيد؛ ولو إلى آخر الشهر.
إذا انتهت مهمته وانتهى عمله؛ فإنه والحال هذه يذهب إلى البيت ويطوف ويسعى؛ ليتم بذلك حجه.
لكن معلوم أنه لا يتحلل التحلل الثاني إلا بعد الطواف والسعي؛ بمعنى أنه قد حل له كل شيء إلا النساء؛ فلا يحل له أن يطأ زوجته قبل أن يطوف؛ ولو مكث عشرة أيام بعد العيد لم يطف بـ البيت ولم يسع.
س: يقول: ما حكم حج ممن أخذ الأجرة للحج عن الغير ؟
لا يجوز أخذ الأجرة على الحج إلا إذا كان عاجزا عن الحج بماله، الإنسان الذي يتمنى الحج، يتمنى أن يصل إلى مكة ولكن فقير، ما يقدر على أن يقطع هذه المسافات، وأن ينفق هذه النفقات.
فلفقره يقول: أنا بحاجة إلى زاد ومال آخذه أقطع به هذه المسافة؛ فيأخذ أجرة من صاحب الحجة بقدر نفقته. ما يقصد الزيادة، ولا يقصد الاستكثار.
يقول: آخذها حتى يحصل لي الحج. ليست الأموال مقصودة، وليست الدنيا مقصودة؛ فإني ما أريد إلا العمل الأخروي، لا أريد العمل الدنيوي.
إذا كان كذلك؛ فإنه يجوز، ويأخذ بقدر حاجته، بقدر نفقته، وأجرة ركوبه، وبقدر ثمن الفدية، أو بقدر نفقة عياله مدة غيبته.
-إذا كان- إذا غاب لم يكن عندهم من يكتسب لهم؛ قد يكتسب لهم بحرفته اليدوية، وتوقف لما غاب؛ فيجعل لهم من هذه النفقة ما يكفيهم مدة غيبته.
أما إنسان يقدر أن يحج من ماله؛ فلا يجوز له أن يحج- بمال- بعوض لأنه يكون بذلك قد باع عمله الصالح الذي هو هذا الحج- باعه بعرض من الدنيا؛ فيكون بذلك داخل في قول الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ .
جزاكم الله خيرا.