مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
المرتبة الثالثة: الإحسان
أما الركن الثالث: الذي هو الإحسان؛ أو المرتبة الثالثة، فذكروا أنها تنقسم إلى قسمين: عين المشاهدة، وعين المراقبة.
فسره النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: رسم> أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك متن_ح> رسم> لا شك أن الذي يعبد الله كأنه يشاهد ربه؛ ماذا تكون عبادته؟ هل تكون ناقصة؟ هل يكون فيها غفلة؟ لا.
بل تكون كاملة؛ إذا استحضر بأنه أمام ربه، كأنه ينظر إلى ربه؛ فلا بد أنه يحضر قلبه، وأنه يحضر لبه، وأنه يجد ويجتهد في أمر الله تعالى، وأنه يكثر من دعاء الله ومن طاعته وعبادته.
فإذا كان كذلك صدق عليه أنه يعبد الله كأنه يراه؛ فإذا عجز، لم يتصور هذه الحالة؛ فماذا تكون حالته؟ يقول: رسم> فإن لم تكن تراه فإنه يراك متن_ح> رسم> .
إذا لم تقدر على أن تستحضر أنك تعبد الله كأنك واقف بين يديه؛ فاعبد الله كأنه يراك. استحضر أنك بمرأى ومسمع من الله.
لا شك أن من استحضر ذلك؛ فإن الله تعالى يوفقه للأعمال الصالحة.
الإنسان إذا كان -دائما- يستحضر يقول: الله يراني، الله يطلع علي، الله يعلم ما في نفسي، الله لا يخفى عليه من أمري خافية؛ هل تصدر منه معصية والحال هذه؟!
ما تصدر، إنما تصدر المعاصي بسبب ضعف الإيمان بالله، أعلى المراتب مرتبة الإحسان، وبعدها الإيمان وبعدها الإسلام.
مثلوا؛ لو أن هناك دارا فيها ثلاث طبقات: الطبقة الأولى واسعة محاطة بحيطان من جهاتها؛ حشر فيها الناس كلهم؛ الذين يقولون: إننا مسلمون.
نظرنا؛ وإذا هؤلاء الناس الذين في هذا الحائط فيهم المبتدع، وفيهم العاصي، وفيهم ضعيف الدين؛ ضعيف الإيمان.
قلنا: هؤلاء كلهم يقولون: إنهم مسلمون. ولكن فيهم معطلة، وفيهم مشبهة، وفيهم جهمية، وفيهم رافضة، وفيهم قبوريون، وفيهم نصيريون، وفيهم بعثيون، وفيهم دروز، وفيهم إباضيون، وفيهم..
كلهم مجتمعون في هذا؛ ولكن نريد أن ننتقي منهم أهل العقيدة السليمة، أهل الإيمان الصحيح؛ أهل الإيمان القوي؛ فانتقيناهم وصعدنا بهم إلى الدور الثاني.
فيكون هؤلاء الذين في الدور الأرضي عموم المسلمين، والذين انتقيناهم هم المؤمنون. الذين في قلوبهم إيمان، والذين سلموا من البدع والمحدثات.
ولما انتقينا أهل الدور الثاني رأينا فيهم من عبادته عادية، ومن عبادته جيدة. انتقينا أهل العبادة الجيدة الذين يعبدون الله –دائما- لا يكلون ولا يملون؛ بل يصبرون ويتحمسون ويتحملون المشقات.
والذين صفت قلوبهم، والذين امتلأت قلوبهم بالإيمان، والذين عرفوا الله تعالى وعرفوا حقه عليهم.
قلنا: ننتقي هؤلاء من عموم المؤمنين؛ لأن المؤمنين الباقين فيهم عصاة، فيهم مخلون ببعض الطاعات، فيهم من يسمع الغناء- مثلا-.
وفيهم من يحلق لحيته، وفيهم من يسبل ثيابه، وفيهم من قد يتأخر عن صلاة الجماعة، وفيهم من قد يشرب دخانا، وما أشبه ذلك.
فنقول: هؤلاء فيهم أخلاط، وكلهم من أهل الإيمان بالله؛ ولكن ننتقي صفوتهم وخيارهم ونجعلهم في المرتبة الثالثة؛ فيكونون هم أهل الإحسان.
فأهل الإيمان الذين في الدور الأوسط. انتقينا خلاصتهم، وجعلناهم في الدور الأعلى؛ فهم المحسنون، فأهل الدور الثالث أهل المرتبة الثالثة نقول لهم: أنتم المحسنون، وأنتم المؤمنون، وأنتم المسلمون.
وأهل الدور الثاني نقول لهم: أنتم مسلمون ومؤمنون، ولم تصلوا إلى رتبة المحسنين. ونقول لأهل الدور الأول: أنتم مسلمون، ولا تصلون إلى درجة المؤمنين، ولا إلى رتبة المحسنين؛ بل يعمكم الإسلام.
فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا، وكل محسن مؤمن ومسلم؛ فأهل المرتبة الثالثة الذين هم الأعلى نقول: أنتم محسنون ومؤمنون ومسلمون.
فمن وصل إلى المرتبة الثالثة؛ فقد جمع الخصال الثلاثة، جمع الإسلام والإيمان والإحسان.
وأما من قصر- يعني الذين يقع منهم شيء من المخالفات وترك شيء من الطاعات؛ فإنهم مؤمنون ولكن لم يصلوا إلى رتبة الإحسان.
فهذه مراتب الدين، المرتبة الواسعة الإسلام، والمرتبة المتوسطة الإيمان، والمرتبة الضيقة والصغيرة والقليل أهلها الإحسان.
تعرفون هذا الحديث، فيه أن الملك جبريل اسم> - عليه السلام- جاء يعلم الناس دينهم.
لما كان الصحابة قد يخفى عليهم شيء من دينهم، وكانوا يهابون أن يسألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعند ذلك جاءه وعلمه.
فقال: أخبرني عن الإسلام، فأخبره بالأركان الخمسة. ثم قال: أخبرني عن الإيمان، فأخبره بالأركان الستة؛ أركان الإيمان الستة. ثم قال: أخبرني عن الإحسان فأخبره بهذه الرتبة الواحدة.
نكتفي بهذا، ما يتعلق بالسيرة؛ لعلنا نقرأه في آخر ثلاثة الأصول. معرفة النبي- صلى الله عليه وسلم-. نكتفي بهذا.
أسئـلة
س: الإخوان في هذا المسجد يصومون وهم سفر، يعني: أتوا من البارحة؛ فهل هذا -حفظكم الله- صواب؟ لأنهم يقولون: إن إذن الإقامة فيه أكثر من أربعة أيام.
سؤال> هذا خير- إن شاء الله- بالنسبة للذين جاءوا مبكرين؛ يعني: جاءوا من أول الشهر، أو جاءوا من اليوم الثاني أو الثالث، يعرفون أنهم يقيمون اليوم الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن، يقيمون ستة أيام، أو يقيمون خمسة أيام، قبل أن يذهبوا إلى عرفة اسم> ففي هذا لهم أن يتموا.
وأما الذين ما جاءوا إلا في اليوم الخامس أو السادس نرى أنهم يقصرون؛ ولكن إذا صلوا مع الجماعة الذين يتمون أتموا معهم. من صلى مع المتمين لزمه الإتمام.
س: يقول السائل: لقد حججت أنا وزوجتي قبل عدة سنوات .. وقد طفنا طواف القدوم والسعي، وكذلك ذهبنا إلى منى اسم> والوقوف بعرفة اسم> والمبيت بمزدلفة اسم> ورمي الجمرات ، وأخرنا طواف الحج إلى طواف الوداع؛ ولكن زوجتي أهلها بمكة اسم> فأخرنا طواف الوداع إلى بعد سفرنا؛ حيث إنها أقامت عند أهلها أكثر خمسة عشر يوما ولم تطف؛ فقد نسينا ورجعنا إلى مقر عملنا؛ فماذا علينا؟
سؤال> عليهم فدية إذا نسوا طواف الوداع؛ لأن كل من كان يريد أن يخرج من مكة اسم> يعني: الذين لا وداع عليهم هم أهل مكة اسم> ؛ لأنهم مقيمون.
فأما الذين لهم مكان في غير مكة اسم> وخرجوا؛ ولو أقاموا عشرة أيام أو خمسة عشر يوما بعد الحج، أو عشرين يوما ما يسقط عنهم طواف الوداع.
فإذا نسوه فعلى كل واحد منهم ذبح؛ ذبيحة تذبح لمساكين الحرم اسم> .
س: جزاكم الله خيرا. يقول السائل: جئت حاجا، وكان عهدي باليبت قديما ثلاثة أسابيع وقد تجاوزت الميقات بدون إحرام جهلا مني؛ وكنت في مسجد التمتع- والحمد لله- .. علي بالحج. ماذا يترتب على هذا العمل؟
سؤال> نرى أنك تجاوزت الميقات بدون إحرام، من أحرم بعد ما تجاوز الميقات، أو أحرم من مكة اسم> وجاء لأداء الحج، أو لأداء العمرة؛ فعليه دم؛ حيث إنه تجاوز الميقات.
أما لو تذكرت لما وصلت إلى مكة اسم> قبل أن تحرم، ورجعت إلى الميقات وأحرمت منه، ولو في اليوم الثامن؛ فإن الدم يسقط.
أما إذا أحرم بعدما تجاوز الميقات فيثبت عليه الدم.
س: جزاك الله خيرا، يقول: هل على الحاج ممن يريد أن ينحر هديا كالمتمتع والقارن؛ هل عليه أن يمسك عن الأخذ من شعره وأظفاره من أول العشر؟
سؤال> ليس عليه ذلك، إنما على الذي يضحي؛ إذا كان قد أوصى أن يضحى عنه في بلده، وأعطى الدراهم؛ فمثل هذا يمسك إلا إذا كان متمتعا، وانتهى من عمرته فإنه يقصر بعد العمرة للتحلل.
س: جزاك الله خيرا. يقول: هل طواف يوم النحر يلزم مع السعي؟ أو وهل يمكن أن يؤخر السعي والطواف حتى نهاية ... ؟
سؤال> يمكن تأخيره إذا كان الإنسان في عمل، عمله في حدود مكة اسم> يشق عليه أنه يترك عمله ليذهب إلى الطواف والسعي؛ فيمكنه أن يؤخره وفي الإفاضة والسعي ولو عشرة أيام بعد العيد؛ ولو إلى آخر الشهر.
إذا انتهت مهمته وانتهى عمله؛ فإنه والحال هذه يذهب إلى البيت اسم> ويطوف ويسعى؛ ليتم بذلك حجه.
لكن معلوم أنه لا يتحلل التحلل الثاني إلا بعد الطواف والسعي؛ بمعنى أنه قد حل له كل شيء إلا النساء؛ فلا يحل له أن يطأ زوجته قبل أن يطوف؛ ولو مكث عشرة أيام بعد العيد لم يطف بـ البيت اسم> ولم يسع.
س: يقول: ما حكم حج ممن أخذ الأجرة للحج عن الغير رأس> ؟
سؤال> لا يجوز أخذ الأجرة على الحج إلا إذا كان عاجزا عن الحج بماله، الإنسان الذي يتمنى الحج، يتمنى أن يصل إلى مكة اسم> ولكن فقير، ما يقدر على أن يقطع هذه المسافات، وأن ينفق هذه النفقات.
فلفقره يقول: أنا بحاجة إلى زاد ومال آخذه أقطع به هذه المسافة؛ فيأخذ أجرة من صاحب الحجة بقدر نفقته. ما يقصد الزيادة، ولا يقصد الاستكثار.
يقول: آخذها حتى يحصل لي الحج. ليست الأموال مقصودة، وليست الدنيا مقصودة؛ فإني ما أريد إلا العمل الأخروي، لا أريد العمل الدنيوي.
إذا كان كذلك؛ فإنه يجوز، ويأخذ بقدر حاجته، بقدر نفقته، وأجرة ركوبه، وبقدر ثمن الفدية، أو بقدر نفقة عياله مدة غيبته.
-إذا كان- إذا غاب لم يكن عندهم من يكتسب لهم؛ قد يكتسب لهم بحرفته اليدوية، وتوقف لما غاب؛ فيجعل لهم من هذه النفقة ما يكفيهم مدة غيبته.
أما إنسان يقدر أن يحج من ماله؛ فلا يجوز له أن يحج- بمال- بعوض لأنه يكون بذلك قد باع عمله الصالح الذي هو هذا الحج- باعه بعرض من الدنيا؛ فيكون بذلك داخل في قول الله تعالى: رسم> مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ قرآن> رسم> .
جزاكم الله خيرا.
مسألة>