إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
121219 مشاهدة
شروط وجوب الحج

ومع ذلك ما أوجب الله الحج إلا مرة واحدة فريضة، وما زاد على ذلك فهو تطوع. ولا أوجبه إلا على القادر؛ في قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا علم الله أن هناك من لا يقدر؛ إما للبعد، وإما للفقر، وإما للمرض؛ فما أوجبه إلا على المستطيع.
ثم إن العلماء ذكروا لوجوبه شروطا، لا يجب إلا بها:
الشرط الأول: الإسلام. والثاني: العقل. والثالث: البلوغ. والرابع: الحرية. والخامس: الاستطاعة. والسادس في حق المرأة: المَحْرَمُ. فهذه الشروط ما يجب إلا باجتماعها.
فلا يجب الحج على الكافر؛ وذلك لأن المشركين نجس، فلا يقربوا المسجد الحرام ولا يجب على المجنون؛ لأنه فاقد العقل الذي يميز به. ولا يجب على الصبي الذي لم يتكامل بناء عقله؛ حتى يبلغ. ولا يجب على المملوك؛ لأنه مشغول بخدمة سيده. ولا يجب على العاجز الذي لا يستطيع؛ وذلك لأن هناك كثير في أطراف البلاد ما قدروا على الحج للبعد. أي لبعد المسافة، وبعد المشقة في أقصى المغرب وفي الأندلس وكذلك في أقصى الهند وأقصى السند خلق كثير ما قدروا على الحج؛ وذلك للبعد وللفقر.
وكذلك أيضا في كثير من البلاد حتى القريبة، فكثير مثلا في مصر ما قدروا على الحج، ولو كانوا يقدرون ماليا، ولكن لم يقدروا نظاميا؛ لأنه لا يحج كل عام إلا عدد محصور، فإذا كان كذلك فإن أهل هذه المملكة قد أنعم الله عليهم، ووفقهم؛ حيث جعلهم في داخل البلاد يتمكنون من العمرة كلما أرادوا، ويتمكنون من الحج، وليس عليهم المشقة، ولا الصعوبة التي يلاقيها أولئك، ثم قد خفت المئونة الآن؛ فإن آبائنا وأجدادنا كانوا يلاقون صعوبة، يلاقون صعوبة بحيث إنهم يغيبون عن أهليهم شهرين، أو شهرا ونصف في أداء الحج.
ولا يحج إلا بعد أن يجد الراحلة، ويجد الزاد؛ لأنه هو الاستطاعة. لما قرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قيل: ما السبيل يا رسول الله؟ قال: الزاد والراحلة فالزاد أن يجد نفقة؛ ينفق منها على نفسه في ذهابه وإيابه، وينفق منها على أولاده حتى يرجع، فإذا كان لا يجد؛ وإنما كان يتكسب بيده قوت يومه كل يوم يحصل على القوت الذي يقوت به نفسه، ويقوت عياله؛ فلا يجب عليه.
الراحلة قديما الواحدة من الإبل -من الجمال، أو النوق- هي التي كانوا يركبونها. قال الله تعالى: وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ قيل: إنه البلد الحرام أي مكة المكرمة ؛ أنهم كانوا لا يصلون إليه إلا بشق الأنفس، فيذهبون على هذه الرواحل.
ومنهم من يمشي كل يوم خمس ساعات، أو ثمان ساعات متواصلة، أو يتخللها استراحة يسيرة، وإذا ركب أحدهم على بعيره فإن البعير يهزه، ولا ينزل إلا وقد تعب من هز البعير له، وكذلك أيضا تصهره الشمس إما في صدره، وإما في ظهره؛ فلا يصلون إلا بعد تعب.
ولكن في هذه الأزمنة -والحمد لله- خفت المئونة، أصبحت المسافة التي تقطع في خمسة وعشرين يوما، أو في عشرين يوما -أصبحت تقطع في بضع ساعات؛ في ثمان ساعات، أو عشر ساعات، وأصبح الذي يتوجه يجلس على سرير، أو على كرسي مريح جلسة المستريح، لا يحس بتعب، ولا مشقة. وكذلك أيضا إذا كان هناك برد وجد تدفئة، وإذا كان هناك حر وجد تهوية، وترويحا عنه.
وكذلك أصبحت النفقة قليلة، التي كانوا يتزودونها. أتذكر أنهم كانوا يحملون معهم نحو عشرين صاعا من الدقيق، أو من الأرز، أو نحو ذلك، ولا يرجعون منها بشيء؛ وذلك لأنهم تطول مدة غيبتهم. الآن يمكن أن يذهب مثلا بأربعة آصع، أو أقل، أو لا يذهب بشيء؛ بل يشتري من الطريق، يجد ما يريحه.